القمة الكورية - الأفريقية الأولى فرص وتحديات | المركز الأفريقي للأبحاث و الدراسات الاستراتيجية (أكريس)

إعداد: ميرنا أحمد - باحثة اقتصادية - المركز الأفريقي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية (أكريس)
أشراف ومراجعة: دكتورة/ غادة فؤاد - مديرة المركز الأفريقي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية (أكريس)

انطلقت اليوم القمة الكورية الأفريقية وهي الأولي من نوعها في يومي الرابع و الخامس من شهر يونيو الحالي للعام 2024 ، تنعقد القمة في كينتكس kintex في إلسان Ilsan ، شمال سيول Seoul العاصمة الكورية لمناقشة سبل توسيع التعاون في الاقتصاد والتكنولوجيا الرقمية والطاقة وغيرها من المجالات بهدف خلق شراكة طويلة الأمد بين أفريقيا وكوريا ذات منفعة متبادلة للطرفين ، فقد توفر القمة فرصة لدعم أفريقيا في تعزيز النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة من قبل كوريا.

فقد شهدت العلاقات بين كوريا والقارة الأفريقية تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة ، حيث تضمنت العلاقات مجموعة واسعة من المجالات مثل التجارة والاستثمار، والتعاون التنموي، والتعليم والثقافة وغيرها من المجالات التي تعزز من فرص التعاون والتنمية في كلا الطرفين، وقد بلغ حجم التجارة بين كوريا الجنوبية والدول الإفريقية نحو 20.45 مليار دولار أمريكي اعتبارًا من عام 2022.[1] لذلك تمثل العلاقات الكورية الأفريقية نموذجًا للشراكة المثمرة التي تستند إلى المصالح المشتركة والرؤية المستقبلية للتنمية الشاملة.

· أولاً: نبذة تاريخية عن العلاقات الكورية - الإفريقية [2]

تعود بداية العلاقات الكورية الافريقية إلى فترة الحرب الكورية في خمسينيات القرن الماضي ، فقد قدمت الدول الإفريقية الدعم لكوريا الجنوبية بطرق مختلفة فأرسلت إثيوبيا حرسها الملكي، كما أرسلت جنوب إفريقيا قواتها الجوية، وقدمت مصر وليبيريا الدعم اللوجستي، بينما قاتل الجنود المغاربة إلى جانب القوات الفرنسية دعماً لكوريا ،ومن ثم بدأت كوريا الجنوبية في إقامة علاقات دبلوماسية مع الدول الأفريقية في مطلع الستينيات.
عادت العلاقات الدبلوماسية بين كوريا وإفريقيا بقوة مرة آخري في ثمانينيات القرن الماضي عندما أستضافت كوريا دورة الألعاب الأولمبية عام 1988.
عززت كوريا بشكل كبير مشاركتها الدبلوماسية في أفريقيا خلال فترة التسعينيات من القرن الماضي بعد انضمامها لعضوية الأمم المتحدة وإنشاء الوكالة الكورية للتعاون الدولي (KOICA) في عام 1991 والتي كانت بمثابة علامة فارقة في تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين كوريا وأفريقيا
وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين حصلت كوريا على صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي في عام 2005، والذي مهد الطريق للتعاون الجوهري مع الاتحاد الأفريقي.
عام 2006 ، أعلنت كوريا عن التزامها بتقاسم خبراتها التنموية مع أفريقيا خلال "المبادرة الكورية لتنمية أفريقيا"، و تبعها إطلاق المؤتمر الوزاري للتعاون الاقتصادي الكوري الأفريقي (KOAFEC) والمنتدى الكوري الأفريقي (KOAF) في أبريل ونوفمبر من نفس العام على التوالي، والذي كان بمثابة منصات رئيسية للتعاون مع أفريقيا.
عام 2018 ، تم إنشاء المؤسسة الكورية الإفريقية التابعة لوزارة الخارجية الكورية والتي هدفت إلى تعزيز التبادل بين الطرفين على المستوى الثنائي.

· ثانياﹰ: أهم آليات التعاون بين كوريا الجنوبية والدول الإفريقية

تستفيد كوريا الجنوبية من الموارد الطبيعية والسوق الناشئة في أفريقيا، والتي تفتح آفاقًا جديدة للتجارة والنمو الاقتصادي المشترك بين الطرفين ، بالاضافة إلى تعزيز الشراكات الاستراتيجية التي تحقق المنفعة المتبادلة من خلال تبادل الخبرات والاستثمارات ، وفيما يلي توضيح لأهم مجالات التعاون بين كوريا والدول الإفريقية.

- المجال الاقتصادي والاستثماري:

تشهد العلاقات التجارية بين الطرفين تطوراً ملحوظاً على الصعيد الاقتصادي والتجاري، فقد بلغ حجم التجارة بين كوريا الجنوبية والدول الإفريقية نحو 20.45 مليار دولار أمريكي اعتبارًا من عام 2022 ، وهو ما يمثل نحو 1.4% من إجمالي التجارة الكورية نقلاﹰ عن تصريحات "لي سيونج وو" Lee Seong-woo نائب رئيس غرفة التجارة والصناعة الكورية وفقاﹰ لموقع كوريا هيرالد The Korea Herald .[3]

تستورد كوريا الجنوبية الموارد الطبيعية مثل المعادن كالنحاس واليورانيوم والغاز والنفط من إفريقيا، في حين تصدر المنتجات التكنولوجية والسيارات والآلات إلي القارة الإفريقية.[4]

على سبيل المثال، فقد ازداد حجم التبادل التجاري بين كوريا الجنوبية و مصر ليصل إلي نحو 3.9 مليار دولار أمريكي خلال عام 2022 مقابل 2.4 مليار دولار خلال عام 2021 أي بزيادة قدرها 62.9 % نقلاﹰ عن البيانات التي أصدرها الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء اكتوبر 2023 ، ويعد أهم السلع التي صدرتها كوريا الجنوبية لمصر خلال عام 2022 :آلات وأجهزة كهربائية بقيمة 431.1 مليون دولار ، سيارات وجرارات بقيمة 375.2 مليون دولار، لدائن ومصنوعاتها بقيمة 375.3 مليون دولار بينما تعد أهم السلع التي صدرتها مصر إلي كوريا الجنوبية: وقود وزيوت معدنية بقيمة 1.8 مليار دولار، أحجار وأسمنت بقيمة 23.8 مليون دولار، نفايات صناعة الأغذية بقيمة 46 مليون دولار . [5]

زادت الاستثمارات الكورية الجنوبية في إفريقيا في العقدين الأخيرين بشكل ملحوظ ، فقد بدأت الشركات الكورية الكبرى مثل سامسونج Samsung ، وإل جي LG للالكترونيات ،وهيونداي Hyundai للسيارات في إنشاء مصانع ومراكز تجارية في العديد من الدول الإفريقية من أجل الاستفادة من الأسواق الناشئة بها. علي سبيل المثال، تقوم شركتا سامسونج وال جي بتجميع أجهزة التيليفزيون في مصانع بجنوب افريقيا ، كما تمتلك شركة هيونداي مصنع إنتاج في السودان.[6]

وعلي صعيد الاستثمارات البينية بين مصر وكوريا الجنوبية فقد بلغت قيمة الاستثمارات الكورية في مصر نحو 311.6 مليون دولار أمريكي خلال العام المالى 2021/ 2022 مقابل 162.6 مليون دولار خلال العام المالى 2020/2021 أي بزيادة قدرها 91.6% نقلاﹰ عن الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء اكتوبر 2023 [7]، وتعد أحد أهم الاستثمارات الكورية المصرية هي توقيع وزارة التعاون الدولي المصرية صفقة بقيمة 460 مليون دولار مع صندوق التعاون والتنمية الاقتصادية الكوري (EDCF) لتنفيذ مشروع التصنيع المشترك وتوفير القطارات لخطي مترو أنفاق القاهرة الثاني و الثالث في يونيو 2023.[8]

وفيما يتعلق بالتنمية والبنية التحتية، تعمل كوريا الجنوبية على تنفيذ العديد من المشاريع التنموية في إفريقيا، بما في ذلك بناء الطرق، والجسور، والمرافق الصحية والتعليمية. علي سبيل المثال، نفذت شركة دايو Daewoo للهندسة والإنشاء العديد من مشاريع البنية التحتية مثل إنشاء طريق سريع في اثيوبيا وبناء جسر فوق نهر زامبيزي Zambezi ويقع بين زامبيا وبوتسوانا ، بالإضافة إلي حصول شركة هيونداي للهندسة والإنشاء علي عقد لبناء جسر فوق مجرى نهر النيل في دولة أوغندا.[9]

ويعد انضمام كوريا الجنوبية إلى صندوق التنمية الافريقي عام 1980 من أهم آليات دعم التعاون فقد مثلت خطوة مهمة للتعاون الكوري الافريقي، وايضا انضمامها إلي بنك التنمية الافريقي عام 1982 ، بالإضافة إلي اطلاق المؤتمر الوزاري للتعاون الاقتصادي الكوري الأفريقي عام 2006 لتعزيز الحوار السياسي رفيع المستوى حول التعاون الكوري الأفريقي بهدف تعزيز دعم كوريا لتنمية القارة الأفريقية.^[10]

كما يتعاون البنك الافريقي للتنمية مع صندوق التعاون للتنمية الاقتصادية في كوريا منذ سنوات طويلة ، فقد وقع البنك وكوريا في مايو 2021 اتفاقية بقيمة 600 مليون دولار لتقديم الدعم لقطاع الطاقة من خلال تمويل مشترك، ويقوم البنك وكوريا حالياﹰ بمراجعة عدد من المشروعات التي سيتم تمويلها في إطار الصندوق الاستئماني للمؤتمر الوزاري.^[11]

وبما يخص المساعدات التنموية الكورية للقارة الافريقية فقامت كوريا بزيادة كبيرة في مدفوعاتها لأفريقيا، ، ويتم التركيز بشكل خاص علي مبدأي الحد من الفقر وبناء القدرات. تزايدت تدفقات المساعدات التنموية الرسمية إلي افريقيا منذ عام 2006 والتي تعتبرها كوريا جزء من التزامها لدعم جهود المجتمع الدولي لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية Millennium Development Goals وأهم الدول الافريقية الأساسية المستفيدة من المساعدة الإنمائية الرسمية الكورية هم إثيوبيا ، موزمبيق ، غانا ، السنغال ، رواندا ، أوغندا ، تنزانيا [12].

- المجال السياسي والدبلوماسي

أحدثت نهاية الحرب الباردة تغييرًا كبيرًا في العلاقات الخارجية بين أفريقيا وكوريا الجنوبية، حيث ترتبط نحو 48 دولة أفريقية حاليًا بعلاقات دبلوماسية رسمية مع كوريا الجنوبية وفقاﹰ لموقع وزارة الشئون الخارجية لجمهورية كوريا الجنوبية.^[13].

- المجال التعليمي والثقافي

تحرص كوريا الجنوبية علي تعزيز التبادل الثقافي والتعليمي مع إفريقيا ،وقد أُنشئت العديد من البرامج والمنح الدراسية للطلاب الأفارقة للدراسة في الجامعات الكورية، بالإضافة إلى إنشاء المراكز الثقافية الكورية التي تروج للثقافة الكورية في إفريقيا. [14]

· ثالثاﹰ: المجالات التي تتفوق بها كوريا الجنوبية ويمكن الاستفادة منها إفريقيا

- المجال الاقتصادي

تعد كوريا الجنوبية دولة صاعدة اقتصاديًا وتقنيًا، و تُعتبر واحدة من الدول الرائدة فيما يتعلق بالتطور الاقتصادي والتكنولوجي، ويحدث بها نموًا اقتصاديًا مذهلاً وهي اليوم اقتصاد صناعي عالي التقنية وبفضل نجاحها في هذه المجالات، أصبحت كوريا مصدرًا مهمًا للتكنولوجيا والاستثمار في القارة الأفريقية.

احتلت كوريا الجنوبية المركز الثالث عشر من حيث أكبر اقتصاد في العالم لعام 2022 نقلاﹰ عن بيانات بنك كوريا المركزي وفقاﹰ لموقع إدارة التجارة الدولية International Trade Administration [15]، فقد بلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي لكوريا الجنوبية نحو 1.71 تريليون دولار أمريكي لعام 2023 وفقاﹰ لاحصائيات موقع ستاتيستا Statista .[16]

كما بلغ حجم الصناعات الكورية South Korea manufacturing output نحو 429.06 مليار دولار أمريكي وفقاﹰ لاحصائيات البنك الدولي World Bank لعام 2022 [17]

تُصنف كوريا الجنوبية بأنها واحدة من أكثر الدول الصناعية اعتمادًا على التصدير في العالم، حيث بلغ حجم صادراتها في عام 2022 إلى نحو 683.6 مليار دولار أمريكي وفقاﹰ لتقرير العلاقات التجارية والاستثمارية بين الاتحاد الأوروبي وكوريا EU - KOREA TRADE AND INVESTMENT RELATIONS لعام 2023 .[18]

- المجال التكنولوجي

تعتبر صناعة تكنولوجيا المعلومات (IT) هي أبرز وأهم نقطة قوة للاقتصاد الكوري، وهو المجال الذي يشمل التقنيات الملموسة وغير الملموسة اللازمة لتكنولوجيا المعلومات مثل الابتكار الإداري، والإصلاح الإداري، والإنترنت، والبرمجيات ، والحاسب الآلي ، وأجهزة الاتصالات وغيرها[19]. وقد بلغ حجم سوق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في كوريا الجنوبية نحو 59.33 مليار دولار أمريكي في عام 2022 وفقاﹰ لموقع البيانات العالمية Global Data [20].

تتمتع كوريا الجنوبية بقدرة تنافسية عالمية في مجالات الهواتف المحمولة، وأجهزة الكمبيوتر، وتبذل جهوداً كبيرة للتكيف مع بيئة تكنولوجيا المعلومات العالمية [21]، وتعد شركة سامسونج الكورية واحدة من أكبر منتجي الأجهزة الإلكترونية في العالم و تتخصص سامسونج في إنتاج مجموعة واسعة من الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية والصناعية[22] ، وقد وصلت الأرباح التشغيلية operating profit لشركة سامسونج إلى نحو 4.9 مليار دولار في الربع الأول من عام 2024 وفقاﹰ لموقع BBC.[23]

ولعل ما تتميز به الشركات الكورية من خبرة عالية في مجالات تقنيات المعلومات والاتصالات، والصناعات الثقيلة والخفيفة، والطاقة المتجددة، والتعليم، والصحة ، هو أهم ما تحتاج إلية القارة الافريقية في السنوات القادمة من أجل تحويل هذه الخبرة والتكنولوجيا إلى فرص استثمارية يتم تنفيذها على أراضي القارة ، مما يسهم في تطوير البنية التحتية الرقمية وتعزيز الابتكار في أفريقيا.

- مجال صناعة السيارات

تتفوق كوريا الجنوبية في مجال صناعة السيارات حيث بلغ عدد السيارات المُنتجة في كوريا نحو 39.51 مليون سيارة عام 2019، لتحتل المركز السابع بين الدول المنتجة للسيارات في العالم[24]، ويعد من أهم شركات السيارات الكورية شركة هيونداي Hyundai .

- مجال الطاقة النووية

تعد كوريا الجنوبية واحدة من أكبر خمس دول مجهزة بتكنولوجيا محطات الطاقة النووية في العالم بجانب الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وفرنسا وروسيا ، وقد طورت محطات الطاقة النووية على النموذج الكوري وصدرتها إلى دولة الإمارات، لتصبح سادس أكبر دولة مُصدرة لمحطات الطاقة النووية في العالم [25]، ويذكر أن كوريا الجنوبية أنشأت أول محطة للطاقة النووية والتي تم افتتاحها عام 1977و تقع بالقرب من بوسان .[26]

تعاني أفريقيا من أكبر عجز للكهرباء في العالم، حيث لا يحصل ما يقرب من 600 مليون أفريقي على الكهرباء. [27] توجه أربع دول مؤخراﹰ في شرق إفريقيا إلي بناء محطات الطاقة النووية خلال عام 2023 وهي أوغندا وكينيا ورواندا وتنزانيا [28]، فضلا عن توقيع دولتي مالي وبوركينا فاسو اتفاقيات تعاون مع شركة روساتوم الروسية في مجال الطاقة النووية في اكتوبر 2023.

- المجال الثقافي

أصبحب كوريا دولة رائدة في تصدير المنتجات الثقافية وأهمها موسيقى البوب الكورية K-Pop وصناعات الألعاب ، وقد حققت كوريا الجنوبية نحو 14 تريليون وون كوري أي نحو 10 مليار دولار الامريكي من المبيعات في صناعة الألعاب [29].

- مجال التنمية والمساعدات الدولية

تُقدِّم الحكومة الكورية الجنوبية مساعدات تنموية إلى الدول الأفريقية عبر الوكالة الكورية للتعاون الدولي (KOICA)، حيث يتم تنفيذ مشاريع في مجالات الصحة، التعليم، الزراعة، والبنية التحتية ، وقد قامت كوريا بزيادة كبيرة في مدفوعاتها لأفريقيا منذ عام 2006 ، حيث تركز المساعدات علي الدول الأقل نمواﹰ والدول ذات الدخل المنخفض. [30]

خصصت كوريا الجنوبيا لافريقيا نحو 593.1 مليون دولار أمريكي عام 2021 وهو ما يمثل نحو 24.2% من إجمالي المساعدة الإنمائية الرسمية لكوريا وفقاﹰ لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD [31]

وفي الفترة بين 2011- 2015 خصصت الحكومة الكورية نحو 25% من المنح و 20% من القروض الميسرة لشركاءها الأفارقة وتركزت المساعدات علي دول بعينها هي: غانا ، رواندا ، موزمبيق ، السنغال، وإثيوبيا ، وأوغندا وتنزانيا. [32]

ويعد أحد أهم المشروعات التنموية التي تدعم بها كوريا الجنوبية الدول الافريقية في مجال الزراعة هو مشروع حزام الأرز الكوري K-Ricebelt الذي يهدف إلى مساعدة الدول الأفريقية على زيادة إنتاج الأرز باستخدام البذور الكورية الجنوبية والتكنولوجيا الزراعية للحد من نقص الغذاء وتحقيق الأمن الغذائي للقارة الافريقية ويضم البرنامج 10 دول افريقيا هي كوت ديفوار، وسيراليون، و غانا، وغامبيا، وغينيا، وغينيا بيساو، والسنغال، وأوغندا، والكاميرون، وكينيا. [33]

· رابعاﹰ: الدوافع الكورية من التوجه نحو القارة الإفريقية

- الدافع الاقتصادي

تُعد القارة الافريقية غنية بالموارد الطبيعية مثل المعادن والنفط والغاز الطبيعي لذلك تحتاج كوريا الجنوبية، باعتبارها دولة صناعية، إلى هذه الموارد لدعم صناعاتها المختلفة مثل التكنولوجيا وصناعة السيارات والإلكترونيات ، إلي جانب أن إفريقيا تُعد سوقًا ناميًا ومستقبلاﹰ مهمًا للتجارة والاستثمارات لذلك توفر القارة فرصًا كبيرة للشركات الكورية في مجالات البنية التحتية والصناعات الخفيفة والطاقة والتكنولوجيا وغيره. ويمثل النحاس ومصنوعاته ،واليورانيوم الذي يدخل في صناعة الوقود من أهم المواد الخام التي تستوردها كوريا الجنوبية.[34]

كما أن بناء علاقات متنوعة مع الدول النامية يعزز الاستقرار الاقتصادي بداخل كوريا ويوفر فرصًا جديدة للتجارة والاستثمار، وبذلك تحمي كوريا نفسها من خطر الصدمات العالمية لأن الاعتماد على عدد محدود من الشركاء الاقتصاديين يعرض الاقتصاد الكوري للخطر في حال حدوث تقلبات اقتصادية أو سياسية.

- الدافع السياسي والدبلوماسي

يساهم توسيع شبكة التحالفات الدولية في تعزيز الأمن القومي لكوريا الجنوبية ، حيث أن بناء علاقات تعاون وثيقة مع دول مختلفة يعزز من موقفها في الأزمات الدولية ويعطي دعمًا أوسع في مواجهة التحديات الأمنية.

لذلك تسعى كوريا الجنوبية إلى مزيد من النفوذ علي الساحة الدولية وبناء علاقات دبلوماسية أكثر توازنًا وقوة مع مختلف القارات والدول في العالم لذلك ترى الحكومة الكورية أهمية توثيق علاقاتها مع الدول الأفريقية ، مما يساعدها في تعزيز مكانتها كقوة دولية ناشئة ومؤثرة في القضايا العالمية مثل التغير المناخي، والتنمية المستدامة ،وحقوق الإنسان، وإيجاد حلول بديلة لأزمة الطاقة العالمية.

كما تستفيد كوريا الجنوبية، التي كانت سابقًا دولة نامية، من تقديم المساعدات الدولية ودعم التنمية في الدول الأخرى و هذا يعزز صورتها كدولة مسؤولة ومساهمة في التنمية العالمية، ويفتح فرصًا للتعاون الاقتصادي والتجاري مع الدول الآخري[35].

ايضا ترغب كوريا الجنوبية في الظهور بدور أكثر نشاطاﹰ علي الساحة الدولية بشكل عام وزيادة نفوذها في منظمة الأمم المتحدة بشكل خاص ، لذلك تستغل كوريا دعم أكثر من خمسين دولة افريقية في مختلف الانتخابات التي تجري في المنظمات الدولية من خلال المساعدات التنموية التي تقدمها إلى افريقيا. [36]

- الدافع المعرفي والتنافسي

باعتبار كوريا دولة رائدة في المجال التكنولوجي وبامكانها تبادل التكنولوجيا والمعرفة مع الدول الآخري والذي يساهم في تعزيز الابتكار والتنمية التكنولوجية العالمية مما يعزز من قدرتها التنافسية على الصعيد العالمي.

- دافع المساهمة في تحقيق الأجندة العالمية للتنمية المستدامة

تعزز كوريا الجنوبية مكانتها في المجتمع الدولي من خلال تحقيق نتائج مثمرة في قطاع المناخ والنمو الأخضر وقد استضافت صندوق المناخ الأخضر (GCF) في عام 2012 وهو منظمة تمويل دولية في قطاع البيئة وتدعم الحد من الغازات الدفيئة في البلدان النامية والتكيُّف مع تغير المناخ.[37]

· خامساﹰ: الفوائد التي تعود على إفريقيا من توجه كوريا نحوها في مجالات الاقتصاد والتنمية والتعليم.

ستسعى الدول الأفريقية إلى استغلال الخبرات والتكنولوجيا الكورية في مجالات البنية التحتية والتكنولوجيا النظيفة وغيرها لدعم التنمية المستدامة وتحقيق الاكتفاء الذاتي في مختلف القطاعات.

تحرص الدول الافريقية في الآونة الأخيرة علي تنويع شركائها كجزء من استراتيجيتها لتحقيق التكامل الاقتصادي والأمني وتجنب المخاطر والأزمات الاقتصادية والسياسية ، كما يتوقع أن العائد الذي ستجنيه إفريقيا من توطيد العلاقات مع كوريا الجنوبية ستساهم في تعزيز النمو الاقتصادي الشامل والتنمية المستدامة في دول القارة ، وفيما يلي توضيح لعدد من الفوائد التي ستعود علي افريقيا في جوانب عدة:

- الجانب الاقتصادي

- خلق فرص عمل جديدة وتعزيز النمو الاقتصادي المحلي فضلاﹰ عن تعزيز قدرة الدول الإفريقية على دعم النمو الاقتصادي المستدام .

- تحسين الميزان التجاري حيث أن زيادة التبادل التجاري بين كوريا الجنوبية والدول الإفريقية سوف يساهم في زيادة صادرات المنتجات الإفريقية إلى الأسواق الكورية والعالمية.

- تطوير القدرات التقنية والصناعية للدول الإفريقية حيث تتضمن الاستثمارات الكورية غالبًا نقل التكنولوجيا الحديثة والمعرفة المتقدمة للدول الآخري.

- تبادل الخبرات التكنولوجية في مجال التكنولوجيا والاتصالات من خلال المشاريع المشتركة مما يساهم في تطوير البنية التحتية الرقمية وتعزيز الابتكاروالنمو والتطور في أفريقيا.

- رفع مهارات القوى العاملة الإفريقية وتعزيز الإنتاجية حيث تضمن الاستثمارات الكورية غالبًا برامج تدريبية وتطويرية للعمالة المحلية.

- الجانب التنموي:

تنتفع القارة الافريقية من تلقي المساعدات التنموية المباشرة من الوكالة الكورية للتعاون الدولي (KOICA)، التي تدعم مشاريع تنموية في مجالات الصحة والتعليم والزراعة والبنية التحتية.[38]
تحسين البنية التحتية بداخل افريقيا والخدمات الأساسية مثل المياه والطاقة والنقل للدول الافريقية من خلال الاستثمارات الكورية الضخمة الموجهة إليها، مما يرفع مستوى المعيشة ويعزز التنمية المستدامة.
تنفيذ مشاريع تنموية تراعي البعد البيئي وتساهم في الحفاظ على الموارد الطبيعية ومكافحة التغير المناخي خاصة للدول الافريقية المعرضة لخطر التقلبات المناخية الشديدة.

- الجانب التعليمي:

- الاستفادة من إنشاء المدارس والمراكز التعليمية وتقديم المنح الدراسية والبرامج التدريبية للدول الإفريقية، مما يساهم في تحسين مستوى التعليم وبناء قدرات الشباب الأفارقة.

- يعتبر معهد التنمية الكوري " KDI " Korea Development Institute الأساس الفكري للبلاد الذي يستخدم لدعم هذا النمو، فيقدم المعهد الكوري للسياسة العامة والإدارة منحة دراسية على مستوى الدراسات العليا والدكتوراه للطلاب الأفارقة حيث يخضعون لدورات لتعزيز قدراتهم وتنمية مهاراتهم الأكاديمية من أجل رد الفضل لمجتمعاتهم عند عودتهم إلى بلادهم. [39]

· سادساﹰ: التحديات

العلاقات بين الدول الأفريقية وكوريا الجنوبية، كما هو الحال في العلاقات الدولية، تأتي مع فوائد وتحديات. وبالرغم من انتفاع الدول الأفريقية من الاستثمارات الكورية والمساعدات التنموية، إلا أنها قد تكون سبباﹰ في استغلال الموارد الطبيعية والأراضي والعمالة الافريقية لصالح الشركات الكورية ، وفيما يلي توضيح للتحديات التي قد تواجهها كوريا في توجهها نحو افريقيا والعقبات التي تقف أمام الأخيرة نتيجة لتعزيز علاقتها مع كوريا الجنوبية.

§ تحديات تواجه كوريا الجنوبية داخل القارة الإفريقية تعيق البيئة الاستثمارية

1. التنافس الدولي علي أفريقيا حيث تواجه كوريا أكثر من قوى آسيوية ودولية في القارة الافريقية أهمها الصين وروسيا واليابان والهند ، مع تزايد نفوذهم في القارة الافريقية خلال الفترة الأخيرة.

2. تجد كوريا بعض العوائق فيما يخص مجال التنمية والبنية التحتية في افريقيا، مثل أزمات الطاقة وعدم توفر الطرق الممهدة وغياب البنى التحتية المؤهلة لتلقي الاستثمارات الكورية خاصة الصناعات التكنولوجية المتقدمة.

3. تواجه الدول الافريقية ظواهر مناخية متطرفة مثل الجفاف والفيضانات وارتفاع مستويات درجات الحرارة مما يعيق البيئة الاستثمارية والتقدم التكنولوجي بشكل كبير.

4. ارتفاع مستويات الفقر والأمية بالقارة الإفريقية بشكل كبير مما يعرقل تحقيق التطور التكنولوجي والنمو الاقتصادي داخل إفريقيا بسبب عدم تأهيل الموارد البشرية.

§ أهم التحديات التي تواجه افريقيا من علاقاتها الكورية

1. بلا شك أنه يتم استغلال المساعدات الإنمائية الرسمية الكورية في افريقيا لدعم أهداف معينة للدبلوماسية الكورية فعلي سبيل المثال كان انتخاب الدبلوماسي الكوري "بان كي مون" Ban Ki-moonأميناﹰ عاماﹰ للأمم المتحدة في عام 2006 نتيجة لحملة نشطة تمت في افريقيا مدعومة بزيادة ملحوظة في صرف المساعدات التنموية والتي كانت سبباﹰ كبيراﹰ في كسب أصوات الدول الافريقية لصالحها، كما نجحت كوريا في تولي أمانة صندوق المناخ الأخضر التابع للأمم المتحدة. [40]

2. تعرصت بعض الدول الافريقية لاستغلال الموارد الطبيعية والعمالة المحلية من قبل عدد من الشركات الكورية فعلي سبيل المثال استولت شركة دايو Daewoo الكورية علي أراضي في مدغشقر، ففي عام 2008 حصلت الشركة علي عقد ايجار لمدة 99 عاماﹰ لنحو 1.3 مليون هكتار في مدغشقر من أجل إنتاج الذرة وزيت النخيل اللذين كان انتاجهما مخصصاﹰ للأسواق الكورية، وقد تم منح الأرض مجاناﹰ للشركة في مقابل الالتزام بخلق فرص عمل والمساعدة في تطوير البنية التحتية بالبلاد إلا أن القرار تم إلغاؤه بسبب ما نتج عنه من غضب كبير. [41]