كلمة مدير مركز أكريس في الملتقى الدولي الخامس للمؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم في موريتانيا

كلمة مدير مركز أكريس في الملتقى الدولي الخامس للمؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم في موريتانيا

كلمة الدكتورة غادة فؤاد في الملتقى الدولي الخامس للمؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم تحت شعار: (القارة الإفريقية : واجب الحوار وراهنية المصالحات) والذي عقد في دولة موريتانيا بتاريخ 21 يناير 2025، تحت رعاية رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية، محمد ولد الشيخ محمد أحمد الغزواني، وبرئاسة معالي الشيخ عبد الله بن بيه، رئيس مجلس الإفتاء الشرعي بدولة الإمارات، رئيس منتدى أبوظبي للسلم وبالشراكة بين الحكومة الموريتانية ومنتدى أبوظبي للسلم. والذي استمر على مدار ثلاثة ايام  21- 22- 23 بقصر المؤتمرات "المرابطون" في العاصمة نواكشوط وبحضور فخامة الرئيس الموريتاني / محمد ولد الشيخ الغزواني وكبار الشخصيات والوزراء والشخصيات العامة والعلماء ورجال الدين وممثلي هيئات المجتمع المدني، والفعاليات الشبابية والنسائية من القارة الأفريقية وخارجها. 

 بدأت الدكتورة غادة فؤاد مدير المركز الافريقي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية (أكريس) كلمتها بتقديم الشكر لدولة موريتانيا حكومة وشعبا ومسئولي منتدى السلم الأفريقي علي حَسن الاستقبال واختيار موضوع المؤتمر، واوضحت سيادتها في بداية كلمتها التي تناولت (خارطة العنف في القارة الإفريقية: رصد وتحليل) ان افريقيا الان في اشد الاحتياج الي مثل هذه المبادرات والمؤتمرات لاننا – نحن الأفارقة – في مفترق الطرق ونريد جميعا ان ننتقل من مرحلة الصراع والعنف الي مرحلة السلام والاستقرار، لان التنمية بدون سلام لن تتحقق أو تنجح بالتاكيد.

وأوضحت الدكتورة غادة أن مفهوم العنف في العالم قد تغير واصبح ينظر لتعريف معنى العنف ليس بالمعنى التقليدي الذي (Minimalist Conception of Violence) (MCV) الذي كان يستخدم سابقا ويعتمد في تعريف العنف على أنه الاستخدام المفرط للقوة، وما ينتج عنه من أذي جسدي، لتحقيق هدف سياسي أو اقتصادي أو ديني" ، بل أصبح هناك تعريف أوسع وأشمل لمفهوم العنف يسمى (Comprehensive Conception of Violence) (CCV) وهو ما يشير إلى نطاق العنف ويهتم بالانتهاكات التي تحدث ومداها وقياس مدي تطوره ومدي تأثيره.

واشارت سيادتها أن هناك العنف المباشر والعنف الغير مباشر، فالعنف المباشر هو عمليات القتل الناتجة عن الصراعات والالغام وغيرها، أما العنف الغير مباشر فهو الناتج عن الاهمال في عملية التنمية من قبل الحكومات والانظمة السياسية وما ينتج عنها من تأثير غير المباشر على الحياة الاقتصادية والاجتماعية وغياب لاحتياجات الانسان من صحة وتعليم وفرص عمل ويتأثر بها المواطن العادي.

واوضحت الدكتورة غادة في كلمتها، أن مراكز الابحاث قد رصدت العنف الحادث علي مستوي العالم، ووجدت ان افريقيا خلال عام 2024 وتحديدا حتى  15 ديسمبر 2024 شهدت بها  20 دولة أنواع متعددة من العنف، تم تصنيفة ما بين عنف متطرف (Extreme conflict) وعنف شديد الحدة (High conflict) أو عنف نتيجة اضطرابات سياسية واقتصادية.

وبينت سيادتها أن هناك أنواع متعددة من العنف شهدتها القارة، ما بين عنف أثني علي اساس قبلي، وعنف أثني علي اساس لغوي، كما يوجد عنف أجتماعي واقتصادي، وايضا عنف ناتج عن الصراعات المسلحة، وعنف ضد حرية التعبير، وهناك حروب أهلية، والصراعات البينية بين الدول الافريقية، وكذلك عنف طائفي.

واشارت الدكتورة غادة في كلمتها أن هناك ظاهرتين تجليا بشدة خلال عام 2024، وهي ظاهرة العنف ضد المرأة وعلي مختلف المستويات حتي في المجتمعات التي لا تشهد صراعات مسلحة أو حروب، فقد زادت نسبة قتل النساء، وكذلك ظاهرة العنف ضد المهاجرين والاجانب الذين يعملون في المجتمعات الافريقية، سواء الذين جاءوا هاربين من مجتمعاتهم الاصلية التي تشهد صراعات أو جاؤوا بحثا عن اسباب الرزق، واوضحت سياتها أن هذه الظواهر جديدة علي المجتمعات الافريقية، ولكنها – للاسف – أصبحت تزيد بشدة خلال اعوام من 2022 وحتي عام 2024.

وبينت الدكتورة غادة في كلمتها اسباب انتشار هذا العنف في المجتمعات الافريقية، سواء من الحركات الارهابية المتطرفة مثل حركة شباب المجاهدين بالصومال أو جماعة بوكو حرام في نيجيريا والتي امتد نشاطها الي غرب افريقيا، أو من حركات انفصالية مسلحة أو حركات متمردة أو حتى الاضطرابات السياسية أو الاجتماعية، وظواهر قتل العمالة الاجنبية.  

حيث تسألت في كلمتها عن اسباب هذا العنف قائله، هل نٌرجع اسباب هذا العنف الي القوى الخارجية فقط أم اننا في قارتنا لنا دور ايضا في الأحداث الجارية من عنف وصراعات نتيجة الاخطاء التي ارتكبت منذ بداية التعامل مع ظهور سلوكيات العنف والذي يبدأ دائما بمجرد أفكار ثم يتحول الي سلوك ينتج عنه ضحايا من مواطنينا.

وقد أجابت سياتها علي تلك التسألات قائلة ان هناك عدة اسباب منها الديمقراطية الزائفه (fake Democracy) وهي تطبيق مظاهر الديمقراطية وليس جوهر الديموقراطية الحقيقية من تعددية سياسية أو تداول سلمي للسلطة سواء على مستوى رأس الدولة أو داخل الأحزاب السياسية الأفريقية نفسها، وكذلك غلق المجال السياسي أمام افراد المجتمع في معظم الدول الافريقية وهو ما يؤدي الي أحباط الشباب الافريقي.

واوضحت أن هذا يحدث نتيجة عدم وجود تنشئة سياسية سليمة، وذلك يؤدي الي انتشار الأمية السياسية، لذا يجب أن نُعلم أولادنا كيف يمارس حقه السياسي بسلميه حتي يحصل علي حقوقه ويعبر عن مطالبة واحتياجاته بدون اللجوء للعنف.

وأشارت الدكتورة غادة انه في حديثها مع أحد الشباب من أفريقيا عن اسباب هذا العنف الذي يحدث عقب الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية التي تشهدها القارة أوضح لها أن هذا العنف يرجع الي أن كل رئيس دولة ياتي بافراد قبيلته أو جماعته ممن ايدوه ويعطي لهم المناصب السياسية والتنفيذية بغض النظر عن مدى توافق مؤهلاتهم مع هذا المنصب أو لا وليس لأصحاب الخبرة والكفاءة بالإضافة إلى غياب الشفافيه فيما يتعلق بتوزيع ثروات الدولة. وبالتالي يكون ذلك دافعا قويا لمؤيدي الطرف الخاسر في الانتخابات للجوء للعنف لأنه يعلم بأنه سيحرم من المغانم التي سيفوز بها مؤيدي الطرف الآخر الفائز في الانتخابات.

كما أشارت الدكتورة غادة انه بجانب ما سبق فأن العنف في افريقيا يعود ايضا الي انخفاض معدلات التعليم في القارة، مشيرة الي أن المجتمع الذي ترتفع فيه معدلات التعليم تكون ثقافة الحوار أكثر انتشارا، لذا اذا اردنا ان نقضي علي العنف في افريقيا يجب أن نسعي الي مزيد من التعليم القائم علي تنمية ثقافة التسامح وقبول الاخر.

وأكدت الدكتورة غادة علي ضرورة الاهتمام بالتعليم المهني والعلمي خاصة (STEM) بدرجة اكبر من التعليم النظري، لان التعليم المهني لا يخلق بطالة مقنعه مثل العليم النظري، حيث يستطيع المتعلم للمهن والحرف أن يجد فرصة عمل في البيئة التي يعيش بها، وستتمكن آنذاك الدول الافريقية من استغلال مواردها وثرواتها الطبيعية المتعددة ولن تظل معتمدة على الخبراء الأجانب اللذين يستغلون غياب المعرفة التكنولوجية والعلمية للأفارقة ويستنزفون موارد القارة من خلال عقود غير عادلة.

كما أكدت ان التعليم بصفة عامة يجعل الانسان الافريقي ليس من السهل أن يٌستغل من قبل الجماعات المتطرفة.

واشارت ايضا ان من اسباب ارتفاع معدلات العنف في المجتمعات الافريقية هو ارتفاع معدلات الفساد، وأن المؤشرات الدولية لقياس معدلات الفساد في تقريرها الاخير بينت أن منطقة افريقيا جنوب الصحراء الكبري سجلت ادني قيمة لعدم وجود الشفافية وارتفاع معدل الفساد الحكومي والقطاع العام ، فقد حازت تلك المنطقة علي  33 من 100 وهي نتيجة منخفضة حيث يقيس المؤشر من صفر إلى 100 ، فكلما ارتفعت الدرجة يعني انخفاض معدل الفساد.

واضافت الدكتورة غادة ان اتنتشار الفساد يخلق قيادة سياسية ضعيفة لا تستطيع أن تقود الدولة أوتحقق برامج تنموية عالية الكفاءة، لان القيادة الفاسدة لا تستطيع أن تختار قيادات قوية تخدم أوطانها مما يؤدي بدوره الي غياب الخدمات العامة الجيدة أو المتوافقة مع متطلبات الشعوب وبالتالي تظهر الاحتجاجات والتي تتحول إلى مظاهرات وسرعان ما تنقلب الي مواجهات عنيفة بين الدولة ومواطنيها وقد تتحول إلى صراعات مسلحة.

كما أشارت الي نقطة هامة تعد من أسباب انتشار العنف المسلح والصراعات في منطقة غرب ووسط أفريقيا وهي غياب الاستقلال الاقتصادي والنقدي في تلك الدول، مشيرة الي أن المركز الافريقي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية (أكريس) قام ببحث عن أثر عملة الفرنك الافريقي علي الاقتصاد والتنمية في الدول الافريقية ووجد أنها تؤثر تأثير سلبي على التنمية في تلك الدول وتعطي ميزات تنافسية للمستثمرين الأجانب في حين انها تمثل عائق أمام المستثمريين المحليين من أبناء تلك الدول كما انها تكرس للتبعية النقدية وتفقد الدولة الافريقية استقلالها المالي والنقدي في حرية القرار الاستثماري أو الاقتصادي .

كما أوضحت أن التغيرات المناخية وآثارها السلبية من فيضانات وجفاف وارتفاع درجات الحرارة تعد حاليا سبب مهم من أسباب انتشار العنف في القارة الافريقية حيث تنزح القبائل من مناطقها المتأثرة الي مناطق اخري بحثا عن مصادر للعيش والمراعي لحيواناتها وما ينتج عن ذلك من مشاحنات وصدام يتحول إلى صراع مسلح في بعض الأحيان بين القبائل والجماعات النازحة والقبائل القاطنة في الاماكن التي نزحوا اليها. وذكرت مثال واضح على ذلك ما حدث في دولة جنوب السودان من موجات فيضانات على مدار الاربع أعوام السابقة مما تسبب في نزوح الآلاف من السكان بحثا عن مكان آمن .

كما اشارت الي سبب اخر وهو التنافس الدولي الشديد بين القوى العالمية على السيطرة والنفوذ داخل القارة الأفريقية خاصة في الفترة من 2020 حتى الآن وما يتبع ذلك من دعم بالمال والسلاح لاطراف مختلفة داخل القارة سواء أنظمة حاكمة أو حركات متمردة مسلحة أو حركات متطرفة وبالتالي زيادة حدة العنف داخل المجتمعات الأفريقية لتحقيق اجندات خارجية.

وقدمت الدكتورة غادة في نهاية كلمتها أمام المؤتمر بعض الحلول بالاضافة لما سبق ذكره لانهاء ظاهرة العنف في افريقيا منها:

-    - الوقوف ضد مبدأ فرض العقوبات الاقتصادية والمالية التي تُفرض علي الدول الافريقية نتيجة حدوث تغيرات سياسية بها، بما في ذلك الانقلابات العسكرية، لا تلائم أجندة القوي الدولية الكبري لانه في النهاية من يعاقب في حقيقة الأمر هي الشعوب وليست الحكومات أو الأنظمة العسكرية الحاكمة.

-    - ان تكون هناك مشروعات انتاجية واستثمارية تكاملية بين الدول الافريقية بعضها وبعض ( خاصة في منطقة البحيرات العظمي ) لوقف العنف والصراعات بين دولها نتيجة التنافس علي الموارد أو الرغبة المتزايدة في استغلال بعض الدول في تلك المنطقة لثروات دول اخري مجاورة، فالمشروعات التكاملية توجه المواطنين في تلك الدول للتعاون في استغلال مواردهم لصالح الجميع وبصورة ليس بها أي استغلال سلبي يستفيد فيه طرف على حساب الآخر.

-   - أحترام الثقافات التقليدية وإحياء التراث الأفريقي ، فالقارة الافريقية مليئة بالثقافات الجيدة التي يجب احياءها مرة أخرى والمحافظة عليها، خاصة العادات والتقاليد التي تدعوا الي السلام وتحض على التسامح ، ويمكن استغلال التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي في ذلك الأمر وعودة دور الأجداد في نقل القيم الافريقية للأحفاد.

-   - يجب استغلال انتشار الحركات الصوفية في افريقيا وخاصة الفكر الصوفي الصحيح، للقيام بدور مؤثر مرة أخرى في نشر التسامح والمحبة داخل القارة بين الجماعات الإثنية والدينية المختلفة والمساعدة في تقبل الآخر.

-    - القيام بحملات توعوية خاصة للتعامل مع ظاهرة العنف ضد النساء بما في ذلك توعية دينية واجتماعية للرجال بحقو المرأة وحق الزوجة والأبناء وكيفية تحمل رب الأسرة للمسئولية وواجباته.

 للاستماع لكلمة الدكتورة غادة التي ألقتها في المنتدى (تبدأ عند الدقيقة  1:16:50) يرجى الضغط على الرابط التالي:

https://www.youtube.com/watch?v=8O9t_ViwBic 

شركاؤنا