تنعقد خلال النصف الأول من شهر سبتمبر القادم قمة مبادرة الحزام والطريق في دورتها العاشرة في مدينة هونج كونج الصينية " Hong Kong " وتحديدا يومي 13 و 14 من شهر سبتمبر 2023 والتي ستجمع كبار المسؤولين الحكوميين وقادة الأعمال من البلدان والمناطق الواقعة على طول الحزام والطريق وخارجها من أجل تبادل الرؤى حول التعاون متعدد الأطراف وتعزيز التعاون التجاري واستكشاف فواستكشاف فرص عمل ملموسة.[1]
يسبق هذه القمة بعدة أيام مؤتمر"برنامج الحزام والطريق الرقمي " (DBAR) Digital Belt and Road Program " السابع في بكين" الذي سيعقد خلال 4-6 من شهر سبتمبرالقادم ايضا وذلك في اطار خدمة مؤتمرات القمة المستقبلية للأمم المتحدة ومبادرات التنمية العالمية. جديرا بالذكر أنه تم إطلاق "برنامج الحزام والطريق الرقمي" (DBAR) في مايو 2016 وعقدت ستة مؤتمرات في بكين وهونج كونج وتينجتشونج وشنتشن ، بهدف تعزيز تطبيق التكنولوجيا الرقمية ، مع التركيز بشكل كبير على بيانات الأرض في مناقشات تلك المؤتمرات، والسعي نحو تحقيق هدف التنمية المستدامة في بلدان الحزام والطريق من خلال تمكين وتعزيز تبادل البيانات والمعرفة والتكنولوجيا ، بهدف تسهيل عملية صنع القرار بما يخدم رؤية الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030 وتحقيق التنمية العالمية.
ونظرا لأهمية مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها الصين منذ العام 2013 سنحاول في السطور التالية التركيز على عدد من النقاط بقدر من التفصيل وهي:
- تعريف مبادرة الحزام والطريق
- أهمية مباردة الحزام والطريق وحجم الانفاق المخصص لها
- أهم الانجازات التي تحققت منذ إطلاق المبادرة
- الدول المشاركة في المبادرة وأهم مجالات التركيز لعام 2023
- أهم التحديات والعقبات التي تواجه مبادرة الحزام والطريق الصينية
أولا: تعريف مبادرة الحزام والطريق
أطلق الرئيس الصيني شي جين بينغ "Xi Jinping" مبادرة الحزام والطريق الصينية " China’s Belt and Road Initiative " خلال عام 2013 ضمن مجموعة مبادرات التنمية والاستثمار ، وهو مشروع بنية تحتية ضخم تقوده الصين ويهدف إلى التوسع في جميع أنحاء العالم، حيث يرتكز المشروع علي مشاريع النقل والمواصلات البرية والبحرية، وكذلك إنشاء شبكة من السكك الحديدية، وخطوط أنابيب الطاقة، وطرق سريعة، ولم تركز المبادرة علي تطوير الطرق التقليدية البرية فحسب بل ركزت أيضاﹰ علي تطوير وتعزيز تطبيق التكنولوجيا الرقمية في البلاد. تم ربط الركائز الخمسة لمبادرة الحزام والطريق وهي : تنسيق السياسات ، وتوصيل المرافق ، والتجارة بدون عوائق ، والتعاون المالي ، والسندات بين الأفراد بأهداف التنمية المستدامة السبعة عشر [2].
يطلق علي المشروع أيضاﹰ اسم ( طريق الحرير الجديد "New Silk Road ")، لأن فكرته مستوحاة من طريق الحريرالقديم الذي كان عاملاﹰ رئيسياﹰ للتوسع الغربي لأسرة هان الصينية " China’s Han Dynasty" قبل 2000 عاماﹰ (206 قبل الميلاد - 220 م) ،فقد كان طريق يربط شبكات طرق تجارية في أماكن متعددة لما يعرف اليوم بدول آسيا الوسطى في أفغانستان وكازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان و وتركمانستان وطاجيكستان ، وكذلك الهند وباكستان في الجنوب، وامتدت تلك الطرق لأكثر من أربعة آلاف ميل إلى أوروبا ، أي أنها كانت شبكة تجارية قديمة ربطت الصين بالبحر الأبيض المتوسط عبر أوراسيا. [3]
تتضمن المبادرة شقين: الحزام الاقتصادي لطريق الحرير البري ؛ وهو ممر عبر القارات يربط الصين بجنوب شرق آسيا وجنوب آسيا وآسيا الوسطى وروسيا وأوروبا عن طريق البر ، وطريق الحرير البحري؛ وهو طريق بحري يربط المناطق الساحلية في الصين مع جنوب شرق وجنوب قارة آسيا ،وشرق أفريقيا والشرق الأوسط ، وجنوب المحيط الهادئ [4].
ثانيا: أهمية مبادرة الحزام والطريق وحجم الإنفاق المخصص لها
ترغب الصين إلى أن تكون مبادرة الحزام والطريق منصة دولية رائدة تربط قارة آسيا بأفريقيا وأوروبا عبر شبكات النقل البرية والبحرية بهدف تحسين التكامل الإقليمي وزيادة التجارة وتحفيز النمو الاقتصادي فضلاﹰ عن تحسين الترابط والتعاون بين القارات على نطاق واسع ، كما تسعي مبادرة الحزام والطريق إلي تقديم نموذج العولمة الخاص بالصين لخدمة اقتصادها ولربط المدن الصينية بالوجهات التجارية في الثلاث قارات ، ولتصبح أداة للمساعدة في التنمية خاصة للدول النامية أمام التحديات المتصاعدة محلياﹰ وعالمياﹰ من خلال المساعدة في إقامة مشروعات البنية التحتية. [5]
وضعت مبادرة الحزام والطريق الصينية رؤية طموحة سيكون لها تأثير اقتصادي وسياسي واجتماعي عميق إذا ما تم تنفيذها وفقا لما هو مخطط لها، حيث تقدم إطارًا شاملاً للتعاون الإقليمي وبرامج للتنمية تمتد من الصين حتى أوروبا الغربية. تشمل الرؤية برنامج واسع من الاستثمارات الضخمة في تطوير البنى التحتية للموانئ والطرق والسكك الحديدية والمطارات ، بالإضافة إلي محطات الطاقة وشبكات الاتصالات. تركز المبادرة الآن بشكل متنامي على "الاستثمار عالي الجودة" وذلك من خلال التركيز على تمويل المشاريع ، وأدوات تخفيف المخاطر ، والتمويل الأخضر. [6] وتضم أكثر من 60 دولة يبلغ عدد سكانها أكثر من 4 مليار شخص في جميع أنحاء آسيا الوسطى وساحل المحيط الهندي وأوروبا، حيث يبني مشروع الحزام والطريق على سلسلة من خطط التمويل المتعددة الأطراف والثنائية لشركاء القطاعين العام والخاص. [7]
فيما يتعلق بحجم الإنفاق الذي تم وما هو متوقع فقد تجاوزت المشاركة التراكمية لمبادرة الحزام والطريق حاجز 1 تريليون دولار أمريكي فوصلت إلي ( 1.016 ) تريليون دولار أمريكي (USD1.016 trillion) بعد 10 سنوات من إعلان مبادرة الحزام والطريق (BRI) ، أي نحو 596 دولارًا أمريكيًا في عقود البناء ، و 420 دولارًا أمريكيًا في الاستثمارات غير المالية وفقاﹰ للتقرير الذي أعده مركز التمويل والتنمية الأخضر الصينية (GFDC The Green Finance & Development Center). [8]
فقد ارتفع حجم تمويل واستثمارات مشروع مبادرة الحزام والطريق الصيني في النصف الأول من عام 2023 بنحو 103 صفقة بقيمة 43.3 مليار دولار أمريكي مقارنة بنحو 35 مليار دولار أمريكي في النصف الأول من عام 2022. فقد وصلت الاستثمارات كحصة من مشاركة مبادرة الحزام والطريق إلى مستويات قياسية عند 61٪ وهي المرة الأولى التي تصل فيها أكثر من 50٪ من إجمالي مشاركة مبادرة الحزام والطريق [9]. كما تستثمر الصين بكثافة بالأخص في الشرق الأوسط حيث تم تسجيل نحو 266 مشروعاﹰ من مشاريع مبادرة الحزام والطريق بين عامي 2005 و 2022 وفقاﹰ لبيانات "IISS China Connects " [10]، وتلك المشروعات إما قد تم إنجازها بالفعل أو مازالت تحت التنفيذ ، ولا يوجد سوى عدد قليل من المشاريع التي تم إلغاؤها أو إيقافها. [11]
ويتوقع الخبراء ان يصل حجم الانفاق بعد الانتهاء من تنفيذ كافة مراحل مبادرة الحزام والطريق بنحو 8 تريليون دولار وفقاﹰ لتحليل مركز العلاقات الخارجية الأمريكي Council on Foreign Relations لعام 2023. حيث يقدر المحللون أن الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني ( CPEC ) China-Pakistan Economic Corridor فقط ستكون اجالي تكلفته نحو 62 مليار دولار ، وهو عبارة عن مجموعة من المشاريع التي تربط الصين بميناء جوادر الباكستاني على بحر العرب. [12]
ثالثا: أهم إنجازات مبادرة الحزام والطريق
استطاعت الصين من تنفيذ عدد من مشروعات المبادرة بالفعل خلال العشر سنوات الماضية منذ إنطلاق المبادرة وفيما يلي عدد من أهم المشروعات التي تمت في عدد من دول العالم: [13]
1. خط السكة الحديد عالي السرعة بين جاكرتا وباندونج" Jakarta-Bandung high-speed railway station " بطول 142 كم ، والذي يربط العاصمة الإندونيسية جاكرتا بباندونج ، فقد وقعت الصين وإندونيسيا اتفاقية في أكتوبر 2015 لإنشاء مشروع مشترك والذي بدأ اختباره خلال شهر مايو2023 ومن المتوقع أن يدخل خط السكة الحديد حيز التشغيل خلال شهر أغسطس 2023.
2. مدينة ميناء كولومبو في كولومبو و سريلانكا " The China-funded Colombo Port City " في 22 أبريل 2018 ، وهو أكبر مشروع بين الصين وسريلانكا في إطار مبادرة الحزام والطريق ، تم استصلاح أراضي تقدر بنحو 269 هكتارًا وقد تم افتتاح المشروع في يناير 2022
3. مشروع ترسو Cosco Shipping Taurus في بيرايوس Piraeus تم افتتاحه عام 2018 بهدف توسيع محطة الرحلات البحرية وتحسين رصيف إصلاح السفن ومرآب جديد متعدد الطوابق من رصيف السفن القابل للطي، و قد أصبح الميناء ، باعتباره نقطة التقاء مهمة للحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين ، أحد أسرع موانئ الحاويات نموًا في العالم في السنوات الأخيرة.
4. بناء جسر بادما ، الذي يبلغ عرضه 25 مترًا وطوله 10 كيلومترات فوق نهر بادما ، أحد الأنهار الثلاثة الرئيسية في بنغلاديش، يعد الجسر أكبر مشروع للبنية التحتية في البلاد ويهدف إلي تقصير وقت السفر بين العاصمة دكا Dhaka ومدينة خولنا Khulna الجنوبية إلى حوالي ثلاث ساعات من 13 ساعة، وتم افتتاح الجسر رسميًا في 25 يونيو 2022.
5. مزرعة الرياح في بونتا سييرا Punta Sierra في ضواحي أوفال Ovalle، وهي مدينة في منطقة كوكيمبوCoquimbo في تشيلي ، إنها أول مزرعة رياح مائية في المحيط الهادئ في دولة تشيلي وتعد أول مزرعة رياح تستثمر فيها الصين في أمريكا الجنوبية وتم افتتاحها وتشغيلها منذ فبراير عام 2018.
6. مصنع الغاز الطبيعي المسال في روسيا ، في ميناء القطب الشمالي في Sabetta ، ويعد المشروع الأكبر من نوعه في العالم داخل الدائرة القطبية الشمالية وهو أيضًا أول مشروع تعاون ضخم للطاقة يتم تنفيذه في روسيا بعد اقتراح مبادرة الحزام والطريق وتم تشغيله شهر ديسمبرعام 2017.
7. منطقة التجارة الحرة الدولية في دولة جيبوتي الممولة من الصين ، والتي بدأ تنفيذها في يناير 2017 وافتتحت في 5 يوليو 2018. حيث من المتوقع أن تصبح منطقة التجارة الحرة مفترق طرق حاسم يربط بين البلدان الأفريقية الأخرى المشاركة في مبادرة الحزام والطريق ، وتجعل جيبوتي مركزًا لوجستيًا بحريًا يربط بين إفريقيا وآسيا وأوروبا.
رابعا: الدول المشاركة في المبادرة وأهم مجالات التركيز لعام 2023
تسعي دول العالم المختلفة إلي الاستفادة من برامج التنمية والتعاون الدولي التي طرحتها مبادرة الحزام والطريق الصينية ، لذلك وقعت نحو 146 دولة و 32 منظمة دولية اتفاقيات تعاون لمبادرة الحزام والطريق ، وفقاﹰ للتقرير الذي أعده مركز التمويل والتنمية الأخضر الصينية (GFDC) في شهر مارس 2022 [14]. كانت الدول الأفريقية من أكثر الدول الساعية للانضمام والمشاركة منها ناميبيا وتنزانيا وإريتريا مما جعل أفريقيا جنوب الصحراء أسرع وأكثر المناطق نموًا في مشاركة مبادرة الحزام والطريق [15]، فقد مولت البنوك الصينية العديد من المشروعات في أفريقيا ، بما في ذلك خط أنابيب الغاز الرئيسي والسكك الحديدية في نيجيريا ، بالإضافة إلى مشاريع في أوغندا ومصر وإثيوبيا والعديد من البلدان الأخرى [16].
نالت مشاريع البنية التحتية الرقمية مثل الاتصالات وشبكات النطاق العريض "broadband networks" الحيز الأكبر من اهتمام الصين والانفاق الأكبر عليها من القروض والاستثمارات بالأخص الموجهة لدول الشرق الأوسط خلال عام 2023 وفقاﹰ لقاعدة بيانات "IISS China Connects" [17]. كما تعد مشاركة الصين في مجال الطاقة في النصف الأول من عام 2023 هي الأكثر صداقة للبيئة وتدعم الاقتصاد الأخضر منذ بداية انطلاق مبادرة الحزام والطريق عام 2013، حيث تعتبر المعادن والفلزات الصديقة للبيئة (مثل الليثيوم) وبطاريات السيارات الكهربائية من المجالات الهامة والأساسية التي تركز عليها استراتيجية الصين حاليا، فقد نمت المشاركة في مجال التعدين والمعادن بنسبة 131٪ للنصف الأول من عام 2023 مقارنة بالنصف الأول من عام 2022 [18].
في النهاية تمثل مبادرة الحزام والطريق شريان جديد لحركة التجارة والنقل العالمية قد تحدث طفرة حقيقية في معدلات التبادل التجاري بين قارات العالم القديمة الثلاث آسيا وافريقيا واوربا في حال إكتمال مراحلها المختلفة ولكن يظل هناك عدد من التحديات التي ظهرت والتي ينبغي العمل على معالجتها أهمها أزمة الديون. فقد أصبحت بعض البلدان النامية غير قادرة على سداد ديونها الخاصة بمشروعات المبادرة التي تم تنفيذها على أراضيها، مما جعل أزمة الديون تمثل إحدى العقبات الرئيسية للصين أمام طريق المبادرة. على سبيل المثال، تعد جيبوتي أكثر الدول العربية والإفريقية التي غرقت أمام الديون الصينية؛ تمثل القروض الصينية 70% من حجم الديون الخارجية لها ، بينما تأتي السودان في المرتبة الثانية بعد جيبوتي من بين الدول التي تورطت في الديون الصينية السهلة والبالغة 10 مليارات دولار من إجمالي 60 مليار دولار وفقاﹰ لتقديرات "معهد التنمية الخارجية" [19]. لذلك تخضع حالياﹰ مباردة الحزام والطريق لمراجعة جذرية بسبب وقوعها في مسألة الديون الائتمانية.
المصادر
[1] https://www.beltandroadsummit.hk/conference/bnr/en
[2]https://www.un.org/sites/un2.un.org/files/progress_report_bri-sdgs_english-final.pdf
[3] https://www.cfr.org/backgrounder/chinas-massive-belt-and-road-initiative
[4]https://www.cfr.org/backgrounder/chinas-massive-belt-and-road-initiative
[5] https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1579187-
[6] https://www.ebrd.com/what-we-do/belt-and-road/overview.html
[7] https://isdp.eu/projects/one-belt-one-road-initiative/
[8] https://greenfdc.org/china-belt-and-road-initiative-bri-investment-report-2023-h1/
[9] https://greenfdc.org/china-belt-and-road-initiative-bri-investment-report-2023-h1/
[10] https://chinaconnects.iiss.org/methodology.aspx
[11] https://nationalinterest.org/feature/decade-china%E2%80%99s-belt-and-road-initiative-middle-east-206525
[12] https://www.cfr.org/backgrounder/chinas-massive-belt-and-road-initiative
[13] http://english.scio.gov.cn/beltandroad/2019-04/04/content_74646004_0.htm
[14] https://greenfdc.org/belt-and-road-initiative-about/
[15] https://nationalinterest.org/feature/decade-china%E2%80%99s-belt-and-road-initiative-middle-east-206525
[16] https://www.chathamhouse.org/2021/09/what-chinas-belt-and-road-initiative-bri
[17] https://nationalinterest.org/feature/decade-china%E2%80%99s-belt-and-road-initiative-middle-east-206525
[18] https://greenfdc.org/china-belt-and-road-initiative-bri-investment-report-2023-h1/