في حوار خاص للمركز الأفريقي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية (أكرس)، سفارة جمهورية غانا في مصر تتحدث عن أهم الخطوات التي اتخذتها الجمهورية الرابعة في غانا مع الذكرى 67 لاستقلال الدولة، خاصة إجراء الانتخابات بصفة دورية في ظل بيئة سياسية تتسم بالاستقرار والديموقراطية تشهدها البلاد منذ عام 1992. بالإضافة إلى تسليط الضوء على عدد من الإنجازات في قطاع التعليم وتمكين المرأة. وأخيراً، الحديث عن مستقبل العلاقات الثنائية بين مصر وغانا. وفيما يلي نص الحوار:
نبذة تاريخية موجزة: تقع غانا، المعروفة سابقًا باسم ساحل الذهب، على الساحل الغربي لأفريقيا. يحدها من الشرق دولة توجو، ومن الغرب دولة كوت ديفوار، ومن الشمال دولة بوركينا فاسو، ومن الجنوب خليج غينيا. يبلغ عدد سكانها الحالي حوالي 33 مليون نسمة، وهي واحدة من أكثر الديمقراطيات ازدهارًا في أفريقيا. حصلت على استقلالها السياسي في 6 مارس 1957؛ وهي أول دولة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تنال استقلالها. بعد عدد من الاضطرابات السياسية، دخلت البلاد جمهوريتها الرابعة في عام 1992. تشهد البلاد على مدار السنوات الاثنين والثلاثين الماضية حكم ديمقراطي مما أكسبها سمعة جيدة كقلعة للديمقراطية في أفريقيا.
مثل البلدان الأخرى، يعد العلم الوطني رمز الهوية الوطنية لغانا والذي يتشكل من ثلاثة ألوان أفقية هي الأحمر والذهبي والأخضر، بالاضافة إلى النجمة السوداء خماسية الرؤوس في المنتصف. حيث يمثل اللون الأحمر دماء أسلافنا الذين قادوا النضال من أجل الاستقلال؛ بينما يمثل اللون الذهبي ثروة الأمة في حين يرمز اللون الأخضر إلى غابات غانا وثرواتها الطبيعية، وأخيرا ترمز النجمة السوداء في المنتصف إلى نجم الحرية الأفريقية والتحرر من الاستعمار.
كان الدكتور كوامي نكروما أول رئيس لغانا والذي شغل منصب رئيس الوزراء للحكومة في ساحل الذهب من عام 1952 حتى حصلت غانا على استقلالها في عام 1957. ومن الناحية التاريخية، كانت مصر واحدة من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال غانا. كما نشأت صداقة قوية بين الزعيمين الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر والدكتور كوامي نكروما من غانا وقد تعززت العلاقات بين البلدين بزواج الدكتور/ كوامي نكروما من السيدة/ فتحية نكروما (المولودة باسم فتحية حليم رزق) من مصر، وأنجبا ثلاثة أطفال هم جمال نكروما (مواليد 1958) وسامية نكروما (مواليد 1960) وسيكو نكروما (مواليد 1964).
- السياسة الخارجية: يعد السادس من مارس لحظة محورية في تاريخ غانا لأنه يرمز إلى نقطة التحول في تاريخ البلاد، حيث مثل مرحلة البداية لأمة ديناميكية وحيوية وشابة. فقد أمتد صدى وتبعات هذا الاستقلال في جميع أنحاء أفريقيا وأدى في النهاية إلى تحرر القارة بأكملها. وكما جاء في خطاب أول زعيم لغانا الدكتور كوامي نكروما، في إعلان الاستقلال أن "استقلال غانا لا معنى له ما لم يكن مرتبطًا بالتحرير الكامل للقارة الأفريقية". أصبحت هذه المقولة ركيزة مبادئ السياسة الخارجية لغانا وعصرًا جديدًا لإنهاء الاستعمار والتحرير الكامل لأفريقيا. لا شك أن العمل التعاوني الرائد بين البلدين مصر وغانا في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي كان له دور فعال في تشكيل منظمة الوحدة الأفريقية، والتي أصبحت الآن الاتحاد الأفريقي.
وبعيدًا عن أجندتها الأفريقية، تحظى مساهمة غانا في الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية المتعددة الأطراف الأخرى بتقدير كبير حيث تواصل العمل بالتعاون مع الدول الصديقة والهيئات الدولية في تعزيز السلام والأمن. على سبيل المثال، في يناير 2024، أكملت غانا فترة ولايتها لمدة عامين كعضو غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهي المرة الرابعة التي تحصل فيها غانا على هذا التمثيل منذ الاستقلال. وخلال فترة ولايتها، اغتنمت غانا الفرصة للدفاع عن قضايا السلم والأمن الإقليميين وكذلك سعت من أجل إيجاد حل دائم لانعدام الأمن في منطقة الساحل وحفظ السلام.
- الحكم السياسي: اتسمت الفترة التي أعقبت استقلال غانا بعدة أشكال من الحكومات ما بين مدني وعسكري، حتى بدأت الجمهورية الرابعة في عام 1992 وعلى مدار السنوات التالية ومنذ تسعينيات القرن الماضي قطعت البلاد خطوات كبيرة في تعاملاتها مع المجتمع الدولي واستمرت في خلق تعاون أوثق ومثمر على مستوى العلاقات الثنائية أو متعددة الأطراف مع مصر وغيرها من الدول الصديقة.
شهدت الجمهورية الرابعة تطبيق نظام حكم ديمقراطي متعدد الأحزاب، يتميز بسيادة القانون وحقوق الإنسان والتنمية الاقتصادية مع اتاحة الحق للمواطنين في التعبير عن آرائهم المتنوعة واستيعاب تلك الآراء المختلفة ، ويتجلى ذلك في المناقشات البرلمانية بين الاحزاب السياسية المختلفة في البرلمان، حيث يتم مناقشة القضايا ذات المصلحة الوطنية بشكل حيادي من أجل تحسين أحوال الأمة.
إن تنظيم انتخابات دورية حرة ونزيهة، وهو مبدأ أساسي من مبادئ الديمقراطية، كان من السمات المميزة لجمهورية غانا الرابعة، وحتى الآن، نظمت البلاد ستة انتخابات متتالية، مما أضاف إلى رصيدها في تطبيق الديمقراطية في القارة. تُعقد الانتخابات كل أربع سنوات، ويمثل عام 2024 عامًا انتخابيًا آخر في دورة نظام الحكم الديمقراطي الذي تتبعه البلاد.
تمثل اللجنة الوطنية (Electoral Commission) الهيئة الرقابية الرئيسية في البلاد للاشراف على الانتخابات، توجد العديد من الأنشطة التي يتم اخذها في الاعتبار والترتيب لها أثناء التخطيط للانتخابات بحيث تضمن الدولة الإعداد الجيد لتمكين المواطنين من ممارسة حقهم الانتخابي. ليس هذا فحسب بل يتم التعاون بين هيئات ومؤسسات الدولة المختلفة، وكذلك أصحاب المصلحة المعنيين مثل قوات الأمن ومنظمات المجتمع المدني والصحافة واللجنة الاستشارية للأحزاب (Inter-Party Advisory Committee)، وآخرين ويشارك الجميع في حوارات مشتركة لبناء الإجماع قبل وأثناء وبعد الانتخابات في غانا.
تحرص لجنة الانتخابات (EC) في غانا على فتح باب التسجل الانتخابي للسماح للمواطنين المؤهلين الذين بلغوا سن 18 عامًا بالتسجيل في القوائم والتصويت. ثم يتم عرض السجل للجمهور للتحقق من أسمائهم والتأكد من دقة البيانات قبل الانتخابات. بالإضافة إلى ذلك، تتولى لجنة الانتخابات بالاشتراك مع اللجنة الوطنية للتعليم المدني (National Commission for Civic Education) (NCCE) القيام بحملات تثقيفية مكثفة للجمهور حول حقوقهم ومسؤولياتهم في كل عام انتخابي، كما يتم نشر مراقبي الانتخابات المحليين والدوليين أثناء الانتخابات.
- الإعلام والمجتمع المدني: لقد فتح دستور عام 1992، الذي بشر بالجمهورية الرابعة، المجال الإعلامي في البلاد، وتمتعت وسائل الإعلام في غانا بحرية مطلقة في التعبير وتكوين الجمعيات. بناء على ذلك يوجد في غانا العديد من محطات الإذاعة والتلفزيون الخاصة، فضلاً عن العديد من الصحف، وباعتبارها مناصرة قوية لحرية الصحافة فقد شهدت البلاد خطوات كبيرة في توسع وانتشار وسائل الإعلام.
تتجلى حيوية منظمات المجتمع المدني في الجمهورية الرابعة لغانا في كون تلك المنظمات عنصر مُكمل أو مساهم في رسم السياسات الحكومية. حيث تعد بمثابة منصة قيمة للحوار العام حول القضايا الراهنة
- السياسات الاجتماعية والاقتصادية: قدمت حكومة غانا مشروعًا رائدًا لاتاحة المدارس الثانوية بالمجان تحت مسمى (Free Senior High School policy) وذلك لضمان المساواة في الوصول إلى التعليم الثانوي على مستوى البلاد. نتيجة لذلك، شهد معدل تسجيل الطلاب في المرحلة الثانوية (الدورة الثانية) (second-cycle) ارتفاعا في جميع أنحاء البلاد [i]، مما عزز الاحتياجات المستقبلية للقوى العاملة المطلوبة بشدة. كما يتم إعطاء الأولوية لتحسين تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) من أجل تزويد المتعلمين بالمهارات اللازمة للتحول الاجتماعي والاقتصادي للبلاد من خلال الاستثمار في هذه القطاعات لتعزيز التنمية الوطنية وتسريع التغييرات الإيجابية في حياة المواطنين.
لقد قامت غانا على مدار السنوات الماضية بإجراء إصلاحات اقتصادية واجتماعية من أجل تأمين مستقبل مزدهر، خاصة للشباب، وذلك من خلال الاستثمار في تمكين الشباب، وبناء القدرات والمهارات، والشركات الناشئة، وتدريب المهارات الريادية من بين أمور أخرى لتسريع وتيرة التغير الإيجابي في حياة المواطنين.
على سبيل المثال، عملت الحكومة من خلال البرنامج الوطني لريادة الأعمال والابتكار (National Entrepreneurship and Innovation Programme) على بناء قدرات الشركات الصغيرة بما في ذلك مؤسسات الدورة الثانية (second-cycle institutions) لتمكينها من المنافسة في الأسواق المحلية والدولية. كما تم تقديم تمويل من القطاع الخاص لدعم الشركات الناشئة ورواد الأعمال في القطاع غير الرسمي من خلال مركز التمويل متناهي الصغر والقروض الصغيرة (MASLOC).
وفيما يتعلق بالشباب على وجه التحديد، فقد نفذت الحكومة، في محاولتها لتسخير إمكاناتهم للتنمية الوطنية، سياسات لمعالجة مشكلة البطالة. حيث توفر الحكومة، من خلال وكالة تشغيل الشباب (YEA)، تعليم المهارات والتدريب المهني في معاهد تدريب الشباب والقيادة (YLTIs). كما أطلقت الوكالة مشروع "خطوات نحو التوظيف والإنتاجية" (STEP)، والذي يهدف إلى تزويد الشباب بالمهارات الحرفية (artisanal skills).
كما أسفرت حملة "عام العودة" (the Year of Return) التي أُعلن عنها في عام 2019 لتشجيع أحفاد أفريقيا على العودة إلى جذورهم عن تيسير العديد من الأنشطة والفعاليات، والذي كان له آثار إيجابية على صناعة السياحة والفنون الإبداعية في غانا.
- فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، تضمن المادة 17 الفقرة (2) من دستور غانا لعام 1992 حقوقًا متساوية لجميع المواطنين وتحظر التمييز على أساس الجنس أو العرق أو اللون أو الإثنية أو الدين أو العقيدة أو الوضع الاجتماعي أو الاقتصادي. وفي هذا الصدد، تم تنفيذ العديد من التدخلات لتعزيز المساواة بين الجنسين. فقد اعتمدت غانا العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المتعلقة بالنوع الاجتماعي في نظامها القانوني وقامت بتعيينات سياسية رفيعة المستوى للنساء وشجعت مشاركتهن في السياسة والحياة العامة. على سبيل المثال، شغلت النساء منصب رئيس القضاة في كثير من الاحيان خلال الفترة من عام 2007 حتى عام 2024. كما عينت كلا من جامعة غانا وجامعة كوامي نكروما للعلوم والتكنولوجيا أول نائبة لرئيس الجامعة لإدارة شؤون الجامعة في عامي 2020 و 2021. بالاضافة إلى ذلك فأن رئيسة ديوان الرئاسة امرأة، وفي الدورة البرلمانية (2009 – 2013) كانت رئيسة البرلمان امرأة.
- مستقبل العلاقات بين غانا ومصر: مما لا شك فيه أن العلاقات بين غانا ومصر ستزداد ترابطا وقوة خلال السنوات القادمة. وفي إطار هذا التوجه، اتسمت العلاقات بالتعاون في عدد لا يحصى من المجالات، وبلغت ذروتها في التبادل المستمر للزيارات رفيعة المستوى بين البلدين، بما في ذلك زيارة فخامة رئيس الجمهورية، نانا أدو دانكوا أكوفو أدو إلى مصر خلال مؤتمر تغير المناخ في عام 2022 في مدينة شرم الشيخ. كما كانت هناك زيارة وزيرة الشؤون الخارجية والتكامل الإقليمي في غانا، السيدة/ شيرلي أيوركور بوتشوي، إلى مصر في يونيو 2019، فضلاً عن زيارة العديد من كبار المسؤولين الحكوميين إلى مصر. كما تجدر الإشارة إلى أن وزير الخارجية المصري السابق، معالي السيد/ سامح شكري، زار غانا في مايو 2017 لإجراء محادثات تهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية.
وهنا ينبغي أن نشير إلى أن الحكومة المصرية تواصل تقديم برامج تدريبية للغانيين في مجالات متنوعة مثل السلام والأمن والدبلوماسية وغيرها لتعزيز قدراتهم في هذه المجالات التي تعد ضرورية للحكم المستدام والشامل، خاصة في قارتنا. فقد تحقق تعاون قوي بين غانا ومصر على المستوى السياسي ولكن يظل التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري منخفضًا نسبيًا، إلا أنه من الجدير بالذكر أن الشركات المصرية تواصل المساهمة بشكل كبير في اقتصاد غانا وهي شهادة على مناخ الأعمال الجيد الموجود في غانا.
ستظل غانا ملتزمة بالعمل بشكل وثيق مع مصر على المستويين الثنائي والمتعدد الأطراف لتعزيز علاقاتهما.
كما ستواصل بلادنا العمل مع مصر في جميع مجالات التعاون، بالاضافة إلى العمل على تشجيع الشركات المختلفة على الاستفادة من الفرص الوفيرة في البلدان المعنية وخاصة في إطار اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA)، والتي خلقت إمكانية الوصول إلى سوق أفريقية متكاملة تضم أكثر من 1.3 مليار نسمة وناتج محلي إجمالي يزيد عن 3.5 تريليون دولار أمريكي.
[i] تعني مؤسسة الدورة الثانية مؤسسة ما قبل التعليم العالي بخلاف مؤسسة الدورة الأولى. يمكن أن تكون الدورة الثانوية عامة (تفترضها المدرسة الثانوية العليا) أو مهنية (تفترضها المدرسة الثانوية الفنية والمعاهد الفنية والمهنية منها ما هو عام أو خاص). تستمر المدرسة الثانوية العليا لمدة ثلاث سنوات وتنتهي بامتحان شهادة المدرسة الثانوية لغرب إفريقيا (WASSCE).