افريقيا والاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين 2023

ميرنا أحمد 29 أكتوبر 2023

باحثة في المركز الأفريقي للابحاث (أكريس)

افريقيا والاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين 2023

استضافت مدينة مراكش المغربية الاجتماعات السنوية للبنك وصندوق النقد الدوليين في نسخته عام 2023  واستمرت  الاجتماعات علي مدار أسبوعاﹰ كاملاﹰ خلال الفترة من 9 إلي 15 اكتوبر ، وتعد هذه أول اجتماعات للمؤسستين الدوليتين  في القارة الإفريقية منذ خمسين عاماﹰ بعد الاجتماع الذي استضافته كينيا عام 1973. [1]  وبالرغم من المعاناة التي عانتها الدولة المغربية إثر الزلزال الذي وقع وأودي بحياة ثلاثة آلاف شخص في سبتمبر الماضي ، إلا أن خبراء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بالتنسيق مع السلطان المغربية وجدوا أن الأمر ليس به أي خطورة ،مما أدي إلي مواصلة التجهيزات لعقد الاجتماعات السنوية للعام الحالي. [2]  وفيما يلي نبذة عن صندوق النقد والبنك الدوليين:

- صندوق النقد والبنك الدوليين

صندوق النقد الدولي ((IMF والبنك الدولي (WB ) مؤسستان ماليتان تم انشائهما في يوليو عام 1944 بقرار من مؤتمر دولي حضره ممثلو 44 دولة وعُقد في بريتون وودز Bretton Woods بولاية نيوهاميشير New Hampshire بالولايات المتحدة الأمريكية ،ومقرهما في واشنطن ، والتي من المفترض أن يتركز هدفهما الأساسي علي وضع إطار للتعاون الاقتصادي لخلق اقتصاد عالمي أكثر استقرارا ،ومواكبة أهم التطورات والتحديات الاقتصادية العالمية. [3]

يشترك صندوق النقد والبنك الدوليين في هدف واحد يتمثل في رفع مستويات المعيشة في الدول الأعضاء،  ومن أجل ذلك تتبع المؤسستان منهجين متكاملين لتحقيق هذا الهدف، حيث يركز كل منهما علي التالي:

- صندوق النقد الدولي  يركزعلى قضايا الاقتصاد الكلي ويعمل علي تحقيق استقرار النظام النقدي الدولي، ورصد حركة العملات في العالم [4] ، و تعزيزالاستقرار المالي والاقتصادي العالمي ،وتيسير حركة التجارة الدولية ، ودعم السياسات الاقتصادية فضلا عن تقديمه لقروض قصيرة ومتوسطة الأجل لمساندة الدول الأعضاء التي تعاني من مشاكل في ميزان المدفوعات أو تتعسر في وفائها بإلتزامات الدفع الدولية.

- البنك الدولي  يركز على تعزيز التنمية الاقتصادية طويلة الأجل والحد من الفقر ، وتقديم التمويل الدولي لمشاريع وبرامج التنمية لاسيما للدول النامية فضلا عن تقديم الدعم المالي والفني لمساعدة الدول علي تنفيذ الإصلاحات والمشاريع لتقوية البنية الأساسية للتنمية مثل محطات توليد الكهرباء ، مشاريع الري،السكك الحديدية والطرق وتكون هذه المساعدات عادة طويلة الأجل.[5]

-  أهمية الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين

يجتمع مجلسا محافظي مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي غالبا مرة واحدة سنوياً لمناقشة الأعمال الخاصة بالمؤسستين ، وتنظم الاجتماعات عادة في شهر سبتمبر- أكتوبر من كل عام. كان أول اجتماع افتتاحي لمجلس المحافظين في مدينة سافانا Savannah بولاية جورجيا الأمريكية في شهر مارس عام 1946 ، وفي نفس العام عُقدت أول اجتماعات سنوية في ولاية واشنطن الأمريكية.[6]

تهدف الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين إلي مناقشة القضايا ذات الاهتمام العالمي المشترك ، والآفاق الاقتصادية العالمية وعلي رأسها استئصال الفقر، وتقديم المعونات ،والتنمية الاقتصادية، بالإضافة إلي عقد الندوات والجلسات الإعلامية الإقليمية والمؤتمرات الصحفية وغيرها من الفعاليات الآخرى التي تركز على قضايا الاقتصاد والنظام المالي العالمي والتنمية العالمية [7]،يشارك بالاجتماعات السنوية كلا من محافظي البنوك المركزية، ووزراء المالية، وكبار المسؤولين التنفيذيين في القطاع الخاص، وممثلي المجتمع المدني، والأكاديميين وقادة الشباب ، من أجل عرض وجهات نظر بلدانهم ومناقشة القضايا الاقتصادية والمالية على المستوى الدولي وكيفية مواجهتها. [8]

- أهم القضايا التي تمت مناقشتها في الاجتماعات السنوية لعام 2023

تعاني الدول النامية من ارتفاع أسعار الفائدة الرسمية، بالإضافة إلي ارتفاع معدلات سعر صرف العملات المحلية مقابل العملات الدولية الآخري خاصة الدولار الأمريكي، والتقلبات الجيوسياسية ، وقد أدت جائحة كوفيد-19، والحرب الروسية الأوكرانية إلي التأثير السلبي علي الاقتصاد العالمي وارتفاع هائل في أسعار الطاقة والمواد الغذائية في العالم ،مما ترتب عليه مواجهة العديد من الدول ذات الاقتصادات المنخفضة تراكم الديون وتفاقمها مما حد من قدرتها على الاستثمار في التعليم والبنية التحتية والرعاية الصحية. [9]

لذلك تركزت أهم القضايا في اجتماعات عام 2023 علي كيفية القضاء على الفقر ، ومواجهة التحديات سالفة الذكر ، وتعزيز العمل المناخي والبنية التحتية الرقمية وفرص العمل[10].دارت الاجتماعات في اطار تعزيز قدرة  الدول النامية على الصمود في مواجهة مخاطر الديون من خلال العمل علي الإصلاحات المحلية في البلاد لدعم الاقتصادات المتعثرة وتعزيز نموها ، وتحسين سياسات الإنفاق، وتعزيز تعبئة الإيرادات المحلية، بالإضافة إلي تعزيز إدارة الديون و إدخال تحسينات على عمليات إعادة هيكلة الديون السيادية من أجل تخفيف عبء الديون فضلا عن مناقشة زيادة دعم و تعزيز مستويات وحصص التمويل، وتوفير التمويل الميسرللدول النامية والمساعدات الفنية[11].

- أهم نتائج ومخرجات الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين اكتوبر 2023

1.      اعتماد مقعد جديد للقارة الأفريقية في صندوق النقد الدولي ، فقد أعلنت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا  Kristalina Georgieva  عن قرار المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي بزيادة عدد مقاعده إلي خمسة وعشرين مقعدا بحيث يكون المقعد الثالث لصالح إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى[12] ، وقد سبقه البنك الدولي في هذه الخطوة عام 2014[13].

2.      تعهد الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي بزيادة مساهمات حصص التمويل بحلول نهاية العام من أجل المساعدة في ضمان حصول صندوق النقد على قوة إقراض كافية للتصدي لأي أزمات قادمة ،ومن أجل تأمين الاستقرار المالي وتقديم الدعم الأفضل والمساعدات الخاصة للدول النامية الأكثر فقراً.[14]

3.      نجاح الصندوق في جمع الأموال المطلوبة لـ"الصندوق الائتماني للنمو والحد من الفقر" (PRGT)، مما يسمح له بمواصلة تمويل الدول منخفضة الدخل بقروض من دون فوائد من أجل دعمها وتلبية احتياجاتها.[15]

4.      اتفاق الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي على إنجاز مراجعة الفصل السادس عشر ،ويشيرالفصل إلي تحديد الموارد التي يدفعها جميع الأعضاء للصندوق ويمولون إقراضها.[16]

5.      موافقة مجلس إدارة البنك الدولي على بيان رؤيته الجديدة "لخلق عالم خال من الفقر على كوكب صالح للعيش" "create world free of poverty on a livable planet، حيث تتمثل مهمته الجديدة في معالجة  آثار التغيرات المناخية العالمية. [17]

6.   تأييد مجلس إدارة البنك الدولي علي إتخاذ خطوات جديدة للسماح باستخدام رأس المال الشبيه بالديون
 
debt-like hybrid capital ومنصة جديدة لضمان المحفظة a new portfolio guarantee platform التي يمكن أن تحققا معًا ما يصل إلى 100 مليار دولار من القروض الجديدة على مدى عقد من الزمن. [18]

7.      تحقيق تقدم في مسألة تسوية ديون الدول التي تعاني من ضائقة الديون وتراكمها، فقد عُقد اجتماع للمائدة المستديرة العالمية للديون السيادية ،واجتمعت بالدائنين والقطاع الخاص والبلدان المدينة، واتفقوا على كيفية إعادة هيكلة الديون[19] ،وعلي سبيل المثال ما حدث مع زامبيا التي وافقت على مذكرة تفاهم لإعادة صياغة الديون مع الدائنين، وعلي رأسهما الصين وفرنسا.[20]

- أهم التحديات التي واجهت الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين عام 2023[21]

1.      تزايد الحمائية التجارية ، والحرب الروسية الاوكرانية ، والتوترات بين الولايات المتحدة والصين، أدت إلي إعاقة الوصول الي إتفاقيات أكثر إيجابية لصالح الدول النامية.

2.      الفشل في التوصل إلى اتفاق حول خطة الولايات المتحدة الأمريكية U.S. Plan  المتعلقة بتأخير التغير في قيمة المساهمة التي من شأنها التنازل عن المزيد من النفوذ للصين.

3.      تحذير صندوق النقد الدولي في تقريره " الاستقرار المالي العالمي" Global Financial Stability  من أن تتسبب أسعار الفائدة المرتفعة في وضع بعض المقترضين في مأزق ومواقف أكثر خطورة ، حيث تشير التقديرات إلى أن نحو 5% من البنوك على مستوى العالم معرضة للضغط إذا ظلت هذه المعدلات مرتفعة لفترات طويلة، كما أن نحو 30% من البنوك ،ومن بينها أكبر البنوك في العالم،  ستكون معرضة للخطر إذا دخل الاقتصاد العالمي في فترة طويلة من حالة التضخم المرتفع والنمو المنخفض.

4.      اختلاف الآراء بشأن الصراع في الشرق الأوسط حيث كان قادة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بطيئين في الاستجابة للمخاطر التي يخلقها الصراع، وتتراوح بين ارتفاع أسعار الطاقة، والآثار التجارية المحتملة وأزمة لاجئين جديدة.

5.      فشل اللجان التوجيهية لكلتا المؤسستين الماليتين في إصدار بيانات مشتركة بسبب الخلاف حول الحرب الروسية الاوكرانية.

-  أهم الانتقادات التي وجهت إلي الاجتماعات السنوية للمؤسستين لعام 2023

1.      التركيز الأكبر علي القضايا المناخية بالمقارنة مع قضايا الديون التي تعاني منها الدول الإفريقية.

2.      الحلول والاقتراحات التي طرحها صندوق النقد والبنك الدوليين تزود الفجوة بين الأغنياء والفقراء ،فتوجد فجوة تمويلية هائلة تصل إلى تريليونات الدولارات بالنسبة للبلدان النامية ، وكان من الأفضل أن  يتم إلغاء ديون أفقر دول العالم . [22]

3.      توجه العديد من الانتقادات إلي السياسات التي تفرضها المؤسستين علي الدول النامية المقترضة والتي تعيق الاقتصادات من الوصول إلى الائتمان والقروض في ظل غياب ميزانيات متوازنة، حيث تطلب من حكومات الدول النامية في الغالب اتخاذ خيارات تؤدي إلي تدهور الأوضاع الداخلية والتوترات السياسية، وعلي رأسها إجراء تخفيضات على دعم الغذاء أو الطاقة ، أوالإصلاحات الضريبية.[23]

4.      تتزايد التحديات بشكل خاص علي القارة الأفريقية، حيث تُنفق العديد من الدول على الديون أكثر مما تنفقه على الرعاية الصحية والتعليم  كما أكده إسكندر إرزيني فيرنوا  Iskander Erzini Vernoit، مدير المبادرة  المغربية "إيمال "Imal"  للمناخ والتنمية.[24]

5.      توجيه الانتقادات للمؤسستين بتهميش الدول الفقيرة الأكثر احتياجًا من عملية صنع القرارداخل المؤسستين الدوليتين.[25]

6.      واجهت المؤسستان مجموعة متزايدة من الانتقادات في وقت سابق  تدور حول أن الدول الفقيرة تتمثل تمثيلا ناقصا في المؤسستين مما دفعهما إلي التخطيط في منح أفريقيا مقاعد إضافية في مجالسهما التنفيذية.[26]

7.      تعد القارة الأفريقية أكثر عرضة للآثار السلبية للتغييرات المناخية ، مما أدي إلي مطالبة المنتقدون لسياسة المؤسستين من أهمية أخذ المرونة المناخية في الاعتبار بشكل متزايد في عملية صنع القرار.

المصادر