قراءة في توصيات الحوار الوطني من أجل السلام والمصالحة في مالي

Marega Macire (ماريجا ماسيري) 26 مايو 2024

باحث في الشئون الأفريقية- جمهورية مالي

قراءة في توصيات الحوار الوطني من أجل السلام والمصالحة في مالي

نتناول في السطور التالية مناقشة أهم النتائج والتوصيات التي خرجت عن الحوار الوطني في جمهورية مالي وذلك استكمالا لما بدأ في المقال السابق للكاتب تحت عنوان "الحوار الوطني في جمهورية مالي: خطوة نحو السلام والاستقرار"، والذي تمت الإشارة فيه إلى هدف القيادة السياسية المالية الحالية من إجراء الحوار الوطني وانعكاساته على فئة الشباب التي تشكل النسبة الغالبة من السكان في البلاد.

نود في البداية أن نشير إلى أن هذه النسخة من الحوار الوطني تميزت بعدد من الأمور الهامة منها:

1- الرؤية المحددة مسبقا لقادة الحوار الوطني فقد أشار رئيس المرحلة الانتقالية العقيد/ عاصمي جويتا في خطابه الافتتاحي لجلسات الحوار في 6 مايو 2024 في مركز باماكو الدولي للمؤتمرات BCIC، والذي صرح فيه بإن "الأمر يتعلق ببناء هيكل سلام جديد لمالي، بعد سنوات عديدة من الصراع ومواجهة تهديد الإرهاب"، مضيفا "أن أفريقيا تنتظرنا والعالم يراقبنا، ومحكوم علينا أن نتقدم معا يدا بيد لأننا شعب واحد يسعى للعيش في وئام معا".

2- ضمت جلسات الحوار مختلف فئات الأمة وشارك فيها حكام المناطق والولايات، والنساء، والرجال، الشباب والفتيات بأزياءهم الرسمية والتقليدية -التي تعبر عن التنوع الثقافي الغني لبلدنا العريق من جماعات بمبارا، سونينكي، خاسونكي، الطوارق، بوبو، سونغاي، مانيكا، ميانكا، سينوفو، فولاني، عربي، دوغون، وبوزو…وغيرهم من أبناء الوطن أجتمعوا بثرائهم الثقافي تحت سقف واحد لمناقشة السلام والتماسك الاجتماعي. فقد أشار رئيس اللجنة التوجيهية عثمان يوسفو مايغا، أن اللجنة أستمعت إلى ما يقرب من 500 ممثل عن المناطق  المحلية والولايات المختلفة في البلاد.

3- عمدت اللجنة التوجيهية للحوار الوطني إلى ان يتسع الحوار ليشمل أكبر عدد من الماليين والاستماع إلى آرائهم، فقد تم الحوار على عدة مستويات:

- على المستوى الوطني، من 6 إلى 10 مايو و الذي أختتم أعماله بعد ظهر يوم الجمعة 10 مايو 2024 بقيام لجان العمل بعرض نتائج عملها التي استمرت خلال خمسة أيام متواصلة.

- المستوى الإقليمي (20-22 أبريل 2024).

- مستوى السفارات والقنصليات (من 20 إلى 22 أبريل 2024).

- مستوى الجامعات، والتي عقدت في باماكو وسيغو (في 19 و20 و22 أبريل 2024).

4- لم تشهد جلسات الحوار حدوث مخالفات أو حوادث سواء في داخل البلاد أو خارجها وذلك في 763 بلدية، و في 19 ولاية ومقاطعة باماكو، بما في ذلك 48 سفارة وقنصلية.

لقد تمخضت جلسات الحوار الوطني عن 302 توصية شملت مختلف المجالات الحيوية بدءا من السلم والمصالحة بين الماليين، والسياسة والحوكمة، والأمن والدفاع، والاقتصاد والتنمية المستدامة، وانتهاءا بالجغرافيا السياسية والبيئة الدولية. لكننا سنركز هنا على أبرز التوصيات الصادرة عن لجنتي السلم والمصالحة الوطنية، والسياسة والحوكمة، والتي أثارت كثير من الجدل والاختلاف داخل الوطن وخارجه.

 أولًا: توصيات لجنة السلم والمصالحة الوطنية:

أعتمدت اللجنة عدد من التوصيات كان أهمها:

- ضرورة فتح حوار مباشر مع الجماعات الجهادية في اتجاهين اساسيين أحدهما سياسي والآخر ديني يقوم به رجال الدين والفقهاء من أهل العلم.

- التفاوض مع جميع الحركات المسلحة المالية التي تحترم وحدة التراب الوطني وسيادة الدولة.

- حل جميع الميليشيات المسلحة والتنظيمات المبنية على أساس عرقي ودمج عناصرها في الجيش الوطني.

- إغاثة اللاجئين الماليين في الخارج وتوفير الظروف الملائمة لعودتهم إلى مناطقهم الأصلية.

-إعتماد السبل التقليدية لحل المشاكل بما فيها القضاء الشرعي.

-وأخيرًا، وضع ميثاق شرف وطني للسلم والتسامح توقع عليه وتلتزم به جميع المكونات الاجتماعية.

ثانيًا: توصيات لجنة السياسة والحوكمة:

لعل توصيات تلك اللجنة كانت من أبرز التوصيات التي تسببت في إثارة كثير من الانتقادات من المجتمع الدولي والناشطين السياسيين في الداخل حيث شملت عدة نقاط من أبرزها:

- تقليص عدد الأحزاب السياسية وإلغاء الموارد المالية المخصصة لها.

- إعادة قراءة القانون 04-038 المتعلق بالجمعيات الأهلية.

- مراجعة الميثاق الانتقالي.

- تمديد الفترة الانتقالية لسنتين على الأقل أو خمس سنوات كحد أقصى.

- تأييد ترشح رئيس السلطة الانتقالية العقيد/ عاصمي جويتا في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

- ترقية رئيس السلطة الانتقالية وخمس من رفقائه، هم مالك دياو وساجو كامارا وموديبو كوني وإسماعيل واغي وعبدالله مايغا، إلى رتبة جنرال.

- إنشاء إطار للاجتماع مع القوى الدافعة بهدف خلق توافق في الآراء حول العملية الانتقالية.

- وضع ضوابط للخطابات الدينية والرسائل الدعوية للدعاة ورجال الدين لتجنب رسائل الكراهية والخطب التحريضية.

- عدم تسييس الإدارة العامة.

- فتح باب التقديم لعدد من الوظائف العامة.

- مراجعة شروط إنشاء المدارس الخاصة والمراكز الصحية.

- زيادة تمثيل النساء والشباب وذوي الإعاقة.

- إيفاد بعثة خاصة في البلديات القائمة والبلديات الجديدة حيثما كان ذلك ضروريا.

- إنشاء دوائر انتخابية للماليين المقيمين في الخارج.

- ثالثا: الجدل الذي أثارته توصيات الحوار الوطني الأخير في مالي:

يبدو أن تلك التوصيات تحمل في طياتها بعض المؤشرات عن شكل المرحلة المقبلة في البلاد. وكما هو متوقع، كانت هناك تباينات وخلافات حول هذه التوصيات المثيرة للجدل، إذ قسمَت الرأي العام الوطني والدولي بين مؤيد ومعارض. يرى المؤيدون لها خاصة الشباب منهم أنها خطوة جريئة نحو تحسن الأوضاع في البلاد واستقرارها على المدى البعيد. بينما يرى المنتقدون انها بداية لترسيخ الحكم العسكري في مالي والقضاء على الحياة السياسية برمتها.

وتأسيسا على هذه الحقيقة والاختلاف في القراءات حول مضمون هذه التوصيات، أردت أن أسلط الضوء على الموضوع من خلال وجهة نظر الشباب المؤيد لها في مالي، واللذين يمثلون نسبة الأغلبية في البلاد، من خلال تقديم الحجج التي يرونها مبرراً لهذا التأييد مع تناول لأهم التحديات التي قد يواجهها رئيس المرحلة الانتقالية ورفقائه إذا قرروا تنفيذ تلك التوصيات كما جاءت في الحوار الوطني. ولكن نذكر قبل ذلك مجموعة من الأسباب التي جعلت تأييد السلطة الانتقالية يزداد في مالي بين فئة الشباب.

1- الشخصية الكاريزمية لرئيس المرحلة الانتقالية:

يتصف رئيس الفترة الانتقالية العقيد عاصمي جويتا بشخصية كاريزمية أكسبته تأييد كثير من الشباب خاصة ممن يقطنون في مناطق عانت كثيرا من الحرمان من أبسط أدوات الحياة في ظل الحكومات السابقة، لذلك ينظرون إليه كبطل قومي يحاول أن يُحرر بلاده من قبضة الاستعمار الجديد ومن احتلال الجماعات الجهادية المتطرفة والمتمردة المنتشرة في الدولة. كما ساعد على ذلك خطابات العقيد جويتا فهم يرون أنه يتجاوب مع مطالب الشباب الحماسية في القضايا المختلفة خاصة المتعلقة برفع يد القوى الخارجية عن ثروات البلاد فهو في نظرهم من أشعل الثورة الجديدة ضد الفساد واستغلال ونهب موارد الدولة لذلك قاموا بتأييد توليه السلطة. أذكر في خطابه الأول، الذي خاطب فيه الشباب، قائلا : " أنا شاب مثلكم ....، إذا فشلت فكأن شباب مالي جميعاً هم من فشلوا ".

أثرت خطاباته وأحاديثه في الشباب بشكل كبير، حتى صار عدد غير قليل من الشباب في مالي يرددون مقولاته يوميًا بحماس، ويرون أن هناك مسئولية تقع على عاتقهم لتحرير الوطن وكتابة تاريخ جديد للبلاد. وعلى هذا الأساس تم بناء العلاقة بين رئيس السلطة الانتقالية والشباب المؤيدون له.

2- تحرير السياسة الخارجية لمالي:

فيما يتعلق بالدبلوماسية، فمنذ أن تقلد منصب رئاسة البلاد في عام 2021، بدأ أولاً برسم خريطة جديدة للمعاهدات والاتفاقيات الدولية. كما سعى في هذا الاتجاه للبحث عن مكاسب جديدة من خلال تعزيز علاقات مالي بشركاء دوليين جدد مثل روسيا، تركيا، إيران، الصين. مما أعطى البلاد قدرة على التحرك في مجال دولي أكثر اتساعا وخارج إطار الدوائر الثابتة المعهودة للسياسة الخارجية المالية.

3- تعزيز القدرات العسكرية للبلاد:

لعل ما قامت به السلطة الانتقالية برئاسة جويتا من تغيير جذري في مقدرات وامكانات الجيش المالي كان له أثر كبير على رفع الروح المعنوية للجنود الماليين وقدرتهم على دحض الحركات المتطرفة والمتمردة في شمال البلاد مما زاد من شعبية وتأييد العقيد/ جويتا في أوساط المجتمع المالي خاصة الشباب. يذكر أن القوات المسلحة الوطنية كانت تعاني من الفساد وقلة العتاد، فقد كانت تجهيزات الجيش من حيث المعدات وتسليح الجنود غير مؤهلة لمواجهة الحركات المتطرفة الأكثر تجهيزًا وأفضل تدريبًا واستعدادًا مما تسبب في انتشار حالة من الاحباط داخل صفوف الجيش امتد ألى السكان المدنيين والمجتمع المالي بشكل عام مما مكن الجهاديين والانفصاليين للسيطرة على مساحات شاسعة من البلاد آنذاك.

في واقع الأمر، لعبت السلطة الانتقالية دورًا هامًا في تعزيز قدرات الجيش الوطني، الذي بات يُصنف من بين أقوى20 جيشاً في فريقيا والثالث في غرب أفريقيا. إن قيام الحكومة بزيادة الميزانية الدفاعية، مكن الجيش من الحصول على معدات أكثر تطورًا بالاضافة إلى تحسين الظروف المعيشة للجنود، والأهم من كل ذلك إعادة الثقة في نفوس الجنود.

كما قامت السلطة الانتقالية باستعادة الأمن في المناطق الاستراتيجية في شمال البلاد حيث تم تحرير كلا من مدينة بير في13 أغسطس 2023، وأنيفيس في 7 أكتوبر 2023، وتيسالت 18 أكتوبر 2023، وكيدالى في 14 نوفمبر 2023، وأغليهوك في 20 ديسمبر 2023.

رابعا: مبررات المؤيدين للتوصيات المتعلقة بالحياة السياسية والسلطة الانتقالية في مالي:

يرى المؤيد لترقية جويتا ورفقائه أن هؤلاء القادة العسكريين أظهروا قدرة وشجاعة في مواجهة التحديات الأمنية بالبلاد وأن ذلك يعكس تقدير الدولة لهم نظير الجهود التي بذلوها لتحقيق الأمن والاستقرار. وقد يساهم في تعزيز وزيادة الثقة في الجيش الوطني ورفع الروح المعنوية للجنود.

وفيما يتعلق بتأييد الشباب المشاركين في الحوار الوطني لترشح العقيد/ عاصمي غويتا في الانتخابات الرئاسية المقبلة فأنهم يرون أن وجود شخص لديه خلفية وخبرة عسكرية على رأس الدولة يمكن أن يوفر استقرارا أكبر للوضع الأمني ويساعد في محاربة الجماعات المسلحة بشكل أكثر فعالية.

وبالنسبة لمسألة تقليص عدد الأحزاب السياسية وإلغاء الموارد المالية المخصصة لها يرى المؤيدون أن ذلك التصرف قد يكون محفزا للحد من الاضطرابات السياسية وجعل العملية السياسية أكثر فعالية. كما أن إلغاء الدعم المالي لها ربما يكون وسيلة للحد من الفساد وضمان أن تعمل الأحزاب السياسية ليس لتحقيق مكاسب مالية فقط، ولكن لدوافع الوطنية.

كما يبرر أصحاب هذا الاتجاه تمديد الفترة الانتقالية بأن ذلك سيمنح الحكومة الوقت الكافي لاستكمال الإصلاحات اللازمة وضمان استقرار البلاد قبل الانتقال إلى حكومة دائمة، وايضا سيتيح الفرصة لإعادة بناء المؤسسات على نحو أكثر فعالية وإشراك مختلف الأطراف في العملية السياسية.

لكن بصفتي باحث ومن شباب جمهورية مالي ومشارك في جلسات الحوار الوطني، أرى أن جزء من هذه التبريرات لا تعكس فهما عميقا للوضع الحالي في البلاد وحجم التحديات المرتبطة بالفترة الانتقالية الحالية، وعوضا عن ذلك علينا التفكير في بدائل أخرى لعلها تكون أكثر فائدة لوطننا كما هو موضح فيما يلي:

1- تمديد الفترة الانتقالية: من الواضح أن تمديد الفترة الانتقالية له مخاطره، بالفعل يمكن أن يمنح الحكومة الوقت لإجراء مزيد من الإصلاحات اللازمة، لكنه في الوقت نفسه قد يؤدي إلى مزيد من التوترات السياسية ويخلق أزمة غير متوقعة، وبالتالي فإن تسريع عملية الانتقال للوصول إلى نظام ديمقراطي مستقر وحكومة منتخبة يمكن أن يقلل من المخاطر ويعزز الاستقرار.

2- تأييد ترشح القادة العسكريين في الانتخابات المقبلة: قد يحقق ذلك أمرين مختلفين تماما الأول جلب الاستقرار من خلال القدرة على السيطرة على الاوضاع الأمنية بسبب توافر الخبرة العسكرية إذا ما أقترن ذلك بالاستمرار في الاصلاحات الحكومية. وقد يكون سببا في تعزيز هيمنة حكم العسكريين في البلاد والتأثير سلبا على الديمقراطية وحرية الرأي.

3- تقليص عدد الأحزاب السياسية: يمثل وجود عدد كبير من الأحزاب السياسية في مالي تحديا كبيرا، وبالتالي يمكن القيام بدمج الأحزاب السياسية ذات الأهداف المشتركة أو تشجيع التحالف في تكتلات سياسية أكبر مما يجعل العمل السياسي أكثر فاعلية وكفاءة.

4- إلغاء الموارد المالية للأحزاب : بدلا من إلغاء الدعم المالي للأحزاب، يمكن تطبيق نظام رقابة صارمة لضمان استخدام هذه الأموال بشكل صحيح وفعال يوفر الشفافية والمساءلة في إنفاق الأموال العامة وذلك بهدف بناء الثقة بين الأحزاب والحكومة والمواطنين.

ختاما، يمكننا أن نستخلص من الحوار الوطني الأخير بعض الدروس أهمها أننا كماليين قادرون على مواجهة مشاكلنا بأنفسنا دون تدخل أجنبي، ولعل هذا الحوار يضع أساس لهيكل جديد للسلام الدائم والمصالحة الوطنية في مالي. يدرك الماليون تمامًا قضايا اللحظة الراهنة، ويريدون وضع حد للصراعات المتكررة والمزمنة بين الأشقاء ويرغبون في المصالحة والعودة إلى العمل وبناء وطنهم، مع بذل المزيد من الجهود لتمكين الشباب وإدماجهم في الحياة السياسية والاجتماعية، مع الإشارة إلى انه لا يمكن تحقيق هذا الهدف إلا من خلال التعاون الصادق والمتابعة المستمرة دون إقصاء أو إهمال لأي طرف من أطراف الشعب.

لمزيد من المعلومات حول الحوار الوطني يرجى الاطلاع على المصادر التالية:-

1- L'armée malienne prend Kidal

2- Présentation de vœux : le président de la transition, Assimi Goita satisfait du bilan de son gouvernement en 2023.

3- Boisvert, Marc-André. « Forces armées maliennes, une lente reconstruction », Afrique contemporaine, vol. 260, no. 4, 2016, pp. 87-90.

4- Koulouba : les membres du Comité de pilotage du dialogue inter-Maliens pour la paix et la réconciliation nationale installés

5- DIALOGUE INTER-MALIENS : LE RAPPORT GENERAL A ETE REMIS CE LUNDI AU PRESIDENT DE LA TRANSITION