تعقد في نيودلهي عاصمة الهند على مدار يومين السبت والأحد 9 - 10 سبتمبر 2023 القمة الثامنة عشر لمجموعة العشرين (G20) التي تمثل المنتدى العالمي الأول للتعاون الاقتصادي، حيث تضم في عضويتها أهم الاقتصادات الصناعية والنامية، كما تقوم المجموعة بدور رئيسي في تعزيز وتنسيق السياسات النقدية والمالية العالمية وذلك من خلال اجتماعاتها التي تعقد بشكل سنوي في دولة من دول المجموعة. 

طالبت الهند، التي تتولى رئاسة قمة مجموعة العشرين في دورتها الحالية، أعضاء المجموعة منح الاتحاد الافريقي العضوية الكاملة والدائمة في المجموعة ويبدو أن هذا المطلب قد تحول الى حقيقة حيث تشير البيانات التي تتوالى قبل انعقاد القمة يوم السبت 9 سبتمبر 2023 في نيودلهي إلى أنه سيتم الاعلان رسميا عن قبول أفريقيا عضوا. 

نحاول من خلال السطور التالية توضيح أهمية مجموعة العشرين بالاضافة إلى أهمية القضايا التي سيتم مناقشتها في القمة الحالية بالنسبة للدول الأفريقية. 

اولا- قمة مجموعة العشرين: 

تأسست مجموعة العشرين (G20) في عام 1999 عقب الأزمة المالية الآسيوية التي حدثت في الفترة 1997-1998 كمنتدى لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية لمناقشة أهم القضايا الاقتصادية والمالية العالمية، وتهدف إلي تنسيق السياسات بين أعضائها من أجل تحقيق الاستقرار الاقتصادي العالمي والنمو المستدام ، وتعزيز الأنظمة المالية التي تقلل المخاطر وتمنع الأزمات المالية المستقبلية. وفي أعقاب الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية عام 2007 أصبحت مجموعة العشرين تعقد على مستوى رؤساء الدول والحكومات، وفي عام 2009، تم اعتبارها  "المنتدى الأول للتعاون الاقتصادي الدولي" منذ ذلك الحين. 

تضم مجموعة العشرين في عضويتها 19 دولة من دول العالم المتقدمة صناعيا والاسرع نموا، هي (الهند وأستراليا والصين وروسيا والولايات المتحدة وجنوب إفريقيا وألمانيا والبرازيل وكندا والأرجنتين وفرنسا وإيطاليا واليابان وتركيا وإندونيسيا والمكسيك وكوريا الجنوبية والمملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة) بالاضافة إلى الاتحاد الأوروبي. يشكل هؤلاء 85% تقريبا من حجم الناتج المحلي الاجمالي العالمي، وأكثر من 75٪ من التجارة العالمية ، ونحو ثلثي سكان العالم و حوالي  60 % من مساحة الأرض في العالم.

ركز جدول أعمال مجموعة العشرين في بدايته علي قضايا الاقتصاد الكلي الواسعة بشكل أساسي لكن تم لاحقا توسيع جدول أعمال المجموعة لتشمل مجالات التجارة وتغير المناخ والزراعة والبيئة والطاقة والصحة والتنمية المستدامة ومكافحة الفساد والبنية التحتية  لكن لايزال يشكل التنسيق الاقتصادي والمالي المحور الرئيسي لأجندة كل قمة.

ثانيا- أهمية أنضمام افريقيا لمجموعة العشرين: 

ناقشت القمم المتعاقبة لمجموعة العشرين الكثير من القضايا ذات التأثير العالمي كان أبرزها جائحة كوفيد19 ، والأزمة المالية العالمية 2008، والبرنامج النووي الإيراني في قمة عام 2009، والحرب الأهلية السورية والوقف الجزئي لاطلاق النار لقمة عام 2017 ، الحد من انبعاثات غاز الميثان لمواجهة تغيرات المناخ  في قمة روما عام 2021.

 لكن يبدو أن قمة نيودلهي ستكون مختلفة عن سابقاتها ويتضح ذلك من خلال القضايا التي تم طرحها على جدول أعمال المجموعة لمناقشتها في الدورة الحالية. ستناقش مجموعة العشرين في نيودلهي عدد من القضايا التي تمثل أولوية للدول الافريقية أبرزها ارتفاع مستويات الدين واستمرار ارتفاع معدلات التضخم وانعدام الأمن الغذائي وزيادة الاثار السلبية للتغير المناخي.

1- قضية ارتفاع مستوى الدين: 

تشهد الدول الافريقية تضاعف غير مسبوق للديون الخارجية والعجز عن السداد، وهذه مشكلة اساسية لما يقرب من نصف دول القارة. وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي في فقد تخطى حجم الدين الخارجي للقارة الافريقية التريليون دولار أمريكي في 2021 ، وتعاني 22 دولة افريقية من أعباء الديون أو غير قادرة على سداد الدين وفوائده. ووفقا للمعلومات المتاحة فقد جاء ترتيب الدول الأكثر مديونية كالتالي، جنوب أفريقيا 15%، ومصر 13%، ونيجيريا 7%، وأنجولا 7%، والمغرب والسودان كل منهما  6%، بينما وصل حجم الدين الخارجي لتونس وكينيا وزامبيا 4% لكل دولة.  كما أن 10 دول يتجاوز حجم الدين فيها 75% من الناتج المحلي الإجمالي.  وأدى ارتفاع أسعار الفائدة إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض بالنسبة للبلدان الأفريقية.

2- قضية استمرار ارتفاع معدلات التضخم:

أشار تقرير توقعات الاقتصاد الافريقي لعام 2023 الذي أصدره البنك الافريقي للتنمية في مايو الماضي الى تأثر القارة الإفريقية مثلها مثل المناطق الأخرى بالصدمات العالمية التي كانت متعددة ومتداخلة بما في ذلك أهمها اضطرابات سلسلة التوريد والنمو العالمي الضعيف والآثار المتزايدة لتغير المناخ والظواهر الجوية المتغيرة.

  انخفضت قيمة معظم عملات القارة مقابل الدولار الأمريكي في عام 2022 نظرا للتقديرات العالية للدولار الأمريكي.  شهدت البلدان الأفريقية المصدرة للسلع الأساسية، باستثناء أنغولا التي ارتفعت قيمة عملتها المحلية بنسبة 27.1٪، انخفاضًا كبيرًا في سعر الصرف على الرغم من ارتفاع أسعار السلع الأساسية الدولية في عام 2022. كما أدت أدت معدلات الاستهلاك العالية إلى ارتفاع التضخم، فقد ارتفع متوسط تضخم أسعار الاستهلاك في أفريقيا إلى 14.2٪ في عام 2022 مقابل 12.9٪ في عام 2021. وفقا للبنك الدولي فمن المتوقع أن يظل معدل التضخم، الذي بلغ أعلى معدل له في العام الماضي، مرتفعاً عند 7.5% لعام 2023. 

جاءت مصر 36.5%، والسودان 63.3% ، واثيوبيا 28.8.%، والكونغو الديموقراطية 26.67%، ونيجيريا 24.08%،  وسيراليون 44.81%، وغانا 43.1%، وزيمبابوي 77.2%، ومالاوي 28.4% من أكثر الدول التي سجلت أعلى نسب التضخم. 

وهكذا يتضح أهمية أن يكون لافريقيا صوت مسموع وحضور بارز في تلك القمة التي يتم فيها اتخاذ قرارات تؤثر بشكل اساسي على اقتصادات الدول النامية ومنها الدول الافريقية.

ثالثا- أهم الانجازات والقرارات لمجموعة العشرين 

1 - تحالف مجموعة العشرين لتمكين وتقدم التمثيل الاقتصادي للمرأة
The G20 Alliance for the Empowerment and Progression of Women’s Economic Representation (G20 EMPOWER)

أطلقتها مجموعة العشرين في أوساكا عام 2019 وتهدف إلى تسريع قيادة المرأة وتمكينها في القطاع الخاص من خلال الاستفادة من التحالف بين قادة الأعمال والحكومات في دول مجموعة العشرين. 

2- اجتماع قادة اقتصاد الفضاء( (SPACE ECONOMY LEADERS MEETING

في ظل رئاسة الهند لمجموعة العشرين، تنظم منظمة أبحاث الفضاء الهندية التابعة لوزارة الفضاء النسخة الرابعة من اجتماع قادة اقتصاد الفضاء (Space Economy Leaders Meeting (SELM)) تحت شعار " نحو عصر فضائي جديد" (الاقتصاد والمسؤولية والتحالف)" لمواصلة المناقشات حول أهمية الفضاء في تشكيل الاقتصاد العالمي.

 يذكر أنه تم تنظيم الإصدارات السابقة من SELM من قبل هيئة الفضاء السعودية (2020) ووكالة الفضاء الإيطالية (2021) والوكالة الوطنية للبحث والابتكار، إندونيسيا (2022).

3- المائدة المستديرة لكبار المستشارين العلميين لمجموعة العشرين:

   CHIEF SCIENTIFIC ADVISORS ROUNDTABLE  (CSAR) 

هي مبادرة جديدة تم إطلاقها خلال رئاسة الهند الحالية لمجموعة العشرين. ستجمع كبار المستشارين العلميين لرؤساء دول وحكومات مجموعة العشرين بهدف ترتيب منصة مؤسسية فعالة لمناقشة قضايا السياسات العالمية للعلوم والتكنولوجيا، والتي يمكن أن تتطور لاحقًا إلى آلية عالمية فعالة ومتماسكة لتقديم المشورة العلمية.

علاوة على ذلك، تهدف تلك المائدة المستديرة إلى التوصل إلى حلول لبعض المشكلات التي يواجهها النظام البيئي العالمي للعلوم والتكنولوجيا. تشمل المجالات ذات الأولوية حاليا قطاع الصحة وتسهيل البنية التحتية العلمية المشتركة من أجل مصلحة العالم، والتعاون في التقنيات الناشئة والمستقبلية والمعايير المتطورة. عُقد الاجتماع الأول لأعضاء المائدة في رامناجارRamnagar، بولاية أوتارانتشال، في الفترة من بين 28 إلى 30 مارس 2023.

ختاما يمكن القول أن انضمام الاتحاد الافريقي الى مجموعة العشرين سيسمح له بمشاركة حقيقية للقارة في المناقشات المتعلقة برسم السياسات النقدية والمالية العالمية وبالتالي سيكون فرصة لتعزيز صوت الافارقة في القضايا التي تتعلق بمصالحهم الرئيسية خصوصا فيما يتعلق بقضايا الديون وانخفاض قيمة العملات المحلية نظرا لانها من أهم معوقات التنمية والاستثمار في كثير من دول افريقيا. وايضا فرصة جيدة لاكتساب المعرفة والمساندة المالية والعلمية من خلال الانضمام لمبادرات المجموعة سالفة الذكر في مجال تمكين المرأة اقتصاديا، والتكنولوجيا، وعلوم الفضاء وهي مجالات تسعى القارة لتحقيق تقدم ملحوظ فيها في الفترة الحالية.