عبر الحضور الرسمي الجامع للقادة السياسيين رؤساء دول جوار السودان في القمة التي دعت اليها مصر في الثالث عشر من شهر يوليو 2023 في القاهرة تحت مسمى "قمة دول جوار السودان" عن إشارة واضحة على أن الوضع أصبح مقلق وقد يخرج عن السيطرة في تبعاته وآثاره السلبية على دولهم والمنطقة بالكامل ولعل ذلك كان واضحا في الكلمات التي تم إلقاءها من قبل القادة والرؤساء. كما يتضح من خلال تحليل الكلمات للسادة الرؤساء ان هناك بعض النقاط الهامة التي تعبر عن بعض التطورات التي قد تشهدها السودان والمنطقة الفترة المقبلة [1].
يبدو أن القيادة المصرية استشعرت خطورة الحياد فيما يتعلق بالمشاركة المباشرة في مجريات الحل والتسوية للأزمة السودانية وما تسعى بعض الاطراف الاقليمية الاخرى لفرضه على الجانب السوداني مما قد يمثل خطورة على الأمن القومي المصري خاصة ما توصلت له قمة الايجاد التي انتهت قبل ساعات من انطلاق القمة في القاهرة خاصة ما نتج عنها من مخرجات أهمها نشر قوات من دول تجمع شرق افريقيا (الايجاد) على الاراضي السودانية وهو ما رفضه طرفي الصراع في السودان الدولة التي تمثل الحدود الجنوبية لمصر.
يتضح ايضا من خلال قراءة تصور مصر لتسوية الأزمة السودانية الذي جاء في اربع نقاط محددة طرحها الرئيس السيسي في القمة أنها تركز على الوقف المستدام لاطلاق النار وليس ما اعتادت عليه المبادرات السابقة منذ بدء الصراع في ابريل الماضي من وقف مؤقت لاطلاق النار غير ملزم ولا يتم تنفيذه من قبل طرفي الصراع في السودان، وهذا ما ايدته كافة كلمات الرؤساء والقادة الآخرين في كلماتهم.
كانت كلمات رؤساء الدول التي استقبلت العدد الأكبر من اللاجئين تؤكد في أكثر من موضع على الآثار السلبية للأزمة وانها امتدت الى دولهم التي تعاني بالاساس من تبعات الازمات الاقتصادية والمالية العالمية المتتالية منذ كوفيد 2020 ثم الحرب الروسية الاوكرانية وقد اتضح ذلك في كلمة الرئيس السيسي عندما أشار إلى أن الازمة التي يواجهها السودان وتداعياتها السلبية تؤثر على الأمن والاستقرار في المنطقة خاصة دول الجوار.
حيث يبدو حجم المعاناة التي تعيشها دول الجوار التي استقبلت العدد الأكبر من اللاجئين السودانيين وما احدثته موجات التدفق بإعداد كبيرة في فترات زمنية قصيرة من ضغط على الخدمات والمعروض من السلع الغذائية والمؤسسات الصحية والمحروقات وقد اتضح ذلك في كلمات كل من رئيس مصر ورئيس تشاد ورئيس افريقيا الوسطى ولعل الوضع أكثر خطورة في الدولتين الأخيرتين نظرا لما تعانية بالاساس من ظروف اقتصادية ومعيشية ومالية وأمنية صعبة ومتدهورة نتيجة بعض العوامل الداخلية. ولذلك كان تركيزهم وتأكيدهم على نقطتين اساسيتين في هذا الشأن هما:
- مناشدة المؤسسات الدولية والاقليمية على القيام بدورها في تقديم الخدمات والاغاثة للاجئين والنازحين.
- مطالبة الدول التي وعدت بتقديم مساعدات وإعانات للسوادن في مؤتمر دعم السودان الشهر الماضي بالوفاء بالتزاماتها وتعهداتها حتى تتمكن دول الجوار من تحمل تبعات تلك الأزمة.
فيما يتعلق بالحل والتسوية السياسية يبدو أن مواقف الدول مازالت غير متوافقة الى الحد الذي يمكن الحديث معه عن موقف جامع يضم رؤية واحدة للجوار السوداني. ففي حين أكد مصر وتشاد واريتريا على أن ما يحدث في السودان من اقتتال ينبغي أن يقف وأن الحل لابد أن يكون نابع من الداخل السوداني وأيدوا انبثاق آليه عن هذه القمة كما جاء في التصور المصري تقوم بالتواصل المباشر مع اطراف الصراع ووضع خطة عمل تنفيذية للتوصل لحل شامل للأزمة نجد أن كلمة رئيس جنوب السودان السيد / سلفا كير جاءت لتؤكد على أهمية إشراك الايجاد في الحل والتسوية للأزمة السودانية وتأييده لما تقوم به من مبادرات وكذلك كلمة رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي السيد/ موسى فكي الذي اشار فيها إلى أهمية تنسيق الجهود بين جميع المبادرات الحالية الساعية لحل الازمة في اشارة غير مباشرة ايضا للايجاد ودورها برئاسة كينيا التي ترغب في نشر قوات في السودان حتى مع غياب موافقة السودان نفسها ويبدو ان ما دعا اليه بعض الرؤساء اليوم في قمة القاهرة من توسيع مبادرة الايجاد لتسوية الازمة السودانية لتشمل ممثلين آخرين من القوى السياسية والمدنية السودانية وممثلين عن دول الجوار هو محاولة لتدراك الرفض الذي حدث مؤخرا لدور الايجاد في تسوية الأزمة.
يتضح عند قراءة كلمة الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد/ أحمد أبو الغيط أن الجامعة تتخذ موقفا داعما للمؤسسة العسكرية الوطنية السودانية وإن كان ذلك بطريقة غير مباشرة من خلال ما ذكره في كلمته عن محددات الموقف العربي وتأكيده على الحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية ومساعدتها على أداء مهامها رغبة منها في الحفاظ على وحدة الاراضي السودانية ويبدو أن ذلك الموقف يمكن تفسيره من خلال القلق من ان تنزلق السودان الى مصير تعيشه عدد من الدول العربية الآن تعاني منذ سنوات عدة بسبب انهيار الجيوش الوطنية، كما عبرت الكلمة ايضا عن معارضة أي تدخل خارجي في الشأن السوداني ورفض نشر قوات خارجية في السودان من قبل اي جهة إقليمية وكان ذلك واضحا عندما أشار الى اهمية مشاركة السودان في اي مقاربة للحل تقوم به دول الجوار أو اي طرف حتى لا تكون حلول مجتزئة وغير واقعية.
لعل أهم ما جاء في هذه القمة وهي حقيقة ينبغي الالتفات اليها وعدم اغفالها في أي تسوية قادمة للأزمة السودانية هو ما أكد عليه جميع الرؤساء لدول الجوار خاصة مصر واريتريا وافريقيا الوسطى وتشاد وجنوب السودان أن دول جوار السودان هم الأكثر قدرة ودراية على فهم تعقيدات الأزمة السودانية الحالية والأكثر قدرة على التعاطي مع أطرافها المباشرين وبالتالي يمكنهم طرح حلول حقيقية قابلة للتنفيذ، وهكذا ترسل دول الجوار إشارات ورسائل مباشرة وضمنية بأهمية التنسيق معها في أي مباردة او تسوية سياسية يسعى أي طرف دولي أو اقليمي لطرحها.
كما جاءت القمة لتشير صراحة لدور الفاعليين الدوليين من اصحاب المصالح الضيقة في السودان والمتحالفين مع طرفي الصراع من اجل تنفيذ أجنداتهم الخاصة والتي كانت السبب الرئيس لبدء الصراع المسلح الأخير وهذا ما اشار اليه بعض الرؤساء بطريقة مباشرة كما تحدث الرئيس الاريتري اسياسي افورقي أو آخرون بطريقة غير مباشرة مثل الرئيس السيسي ورئيس جنوب السودان لذلك كان من ضمن النقاط الهامة التي نتجت عن هذه القمة هو التأكيد على مشاركة أطراف فاعلة أخرى من القوى المدنية والسياسية السودانية في العملية السياسية عند الجلوس على مائدة المفاوضات الفترة المقبلة فيما يتعلق بتسوية الأزمة وأن لا يقتصر المشاركة على طرفي الصراع الحاليين فقط حتى تكون التسوية شاملة وحقيقية ومعبرة عن اهتمامات ومطالب جميع الاطراف وليس طرف واحد يتحكم في مصير دولة السودان.
في الختام لكي تكون هذه القمة فاعلة ينبغي متابعة ما ينتج عنها من مخرجات من خلال الآلية الوزارية التي ستنبثق عنها لمتابعة تنفيذ خطة العمل التي ستقوم دول جوار السودان بالاتفاق عليها أثناء جلسات القمة العلنية والمغلقة واختبار مدى قدرتها على التطبيق على أرض الواقع باستمرار وتعديلها وفقا للمعطيات الجديدة التي تطرأ على مجريات الصراع والساحة السياسية السودانية. بالإضافة الى أهمية ضمان جدية المشاركين بالقمة خاصة طرفي الصراع السوداني ومحاولة إيجاد سبل ووسائل يمكن من خلالها الضغط عليهما للالتزام بتنفيذ مخرجات القمة ولكي يتم ذلك لابد من التنسيق مع الآليات والاطر السياسية السابقة الموجودة بالفعل حتى لا يحدث تضارب للمصالح والخطوات مما يعيق عملية التسوية السلمية.
المصادر: